المدونة

المواطنة التنظيمية.. كيف يندمج الموظفون داخل بيئة العمل الفندقي؟

إم إيه هوتيلز – خاص

تعد الحياة العملية داخل بيئة العمل، لا سيما البيئة الفندقية ذات النظام الدقيق الهادف لخدمة النُزلاء بشكل فعَّال،  واحدة من أكثر الأوقات رسمية للأفراد والموظَّفين والعمال على مختلف أشكالهم، لما تحكمه من قوانين ولوائح وقواعد تحدد ما يجب القيام به وما هو ضروري للامتناع عنه. لكنَّ هنا بعض المظاهر ذات الطابع الإنساني والاجتماعي تتخلل هذه البيئة وتسير في خِضَمِّ توجُّهاتها وتسبِر غِوارها؛ كي تخلق أجواءًا أخلاقية داخل مناخ لا يبقي مشحونًا بالمهام وموجبات تنفيذها بشكل جاف، ولا يتهاون، ذات الوقت، فينخلق التسيُّب، من هذه الظواهر “المواطنة التنظيمية”.

طبيعة العمل الفندقي

العمل الفندقي عمل خدمي يعتمد على تقديم خدمات متميزة ومتطورة لضيوف الفندق على مدار الساعة، حيث تلعب جميع الأقسام دوراً مهماً في تحقيق تجربة استثنائية للضيوف، وبالتالي يعمل كل موظَّف في إطار تخصصه في حالة من التمازُج والتوأمة مع التخصصات الأخرى داخل بيئة العمل. فأقسام متعددة مثل الاستقبال، التدبير المنزلي، وخدمة الطعام، كل قسم يعمل على تقديم أفضل ما لديه لضمان راحة الضيوف وترك انطباع إيجابي عن الفندق، بما يعزز من مكانة الفندق مقارنةً بالمنافسين، حيث يُسهم في تميزه بخدمات مبتكرة تلبي احتياجات الزوار بشكل مستمر.

إلى جانب ذلك، تعتمد الإدارة الفندقية على تنظيم دقيق لعمليات العمل، حيث يتم تقسيم المهام ومتابعتها بانتظام من قِبل المكاتب الأمامية، مما يضمن تقديم خدمات سلسة وفعالة. كما يلعب الموظفون دوراً مهماً في تقديم الاحترام والشكر للضيوف، وهو أمر يعزز من سمعة الفندق ويُساهم في خلق بيئة عمل إيجابية تستند إلى التقدير المتبادل بين الموظفين والزوار. فهذه البيئة المنظَّمة بشكل دقيق في احتياج إلى أمر يسيِّرها بشكل يدمج بين الجهد الجهيد والسلاسة – ذات الوقت – بما يخفف من أجواء قد يسود فيها التوتر.

تاريخ المواطنة التنظيمية

سلوك المواطنة التنظيمية (OCB) يشير إلى السلوكيات الإيجابية غير الرسمية التي يؤديها الموظفون بما يتجاوز متطلبات العمل الرسمية. بدأت دراسة هذا المفهوم من خلال Bateman وOrgan عام 1983، حيث قسما السلوك إلى بعدين: الإيثار، الذي يعنى بمساعدة الزملاء، والالتزام العام، المرتبط باتباع قواعد المنظمة. أضاف Anderson وWilliams (1991) بعدين آخرين: سلوكيات موجهة نحو المنظمة (O-OCB)، والتي تشمل الولاء والالتزام، وسلوكيات موجهة نحو الأفراد (I-OCB)، التي تركز على التعاون بين الموظفين.

لاحقًا، أضاف Bettencourt et al (2001) بُعدًا ثالثًا يناسب المنظمات الخدمية، وهو السلوك الموجه نحو العملاء (C-OCB)، الذي يشير إلى الممارسات التطوعية التي تهدف إلى تحسين جودة الخدمة المقدمة، مثل تحسين صورة المنظمة والتفاعل الإيجابي مع العملاء.

ماذا لدينا حول المواطنة التتنظيمية؟

سلوك المواطنة التنظيمية (OCB) هو سلوك اختياري يمارسه الموظفون بناءً على تقديرهم الشخصي، ولا يرتبط بشكل مباشر بالوصف الوظيفي أو بنظام المكافآت الرسمي. يُساهم هذا السلوك في تعزيز الأداء الفعال للمنظمة من خلال تحسين البيئة النفسية والاجتماعية التي تدعم أداء المهام، حيث تُسهم هذه السلوكيات في زيادة فعالية المنظمة عبر رضا العملاء وزيادة الإيرادات.

كما يُشار نحو هذا المفهموم كونه سلوك يشمل الإسهامات الفردية التي تتجاوز متطلبات الدور الرسمي، وترتبط بمفهوم المسئولية الاجتماعية والعمل الجماعي، دون وجود حافز اقتصادي مباشر. تُجمع تعريفات المواطنة التنظيمية على أن هذه السلوكيات اختيارية وطوعية، مما يعزز أداء المنظمة ويساهم في استمراريتها. فيعني هذا الأمر أنَّ خصائصه لا تشمل – حتَّى الآن – أيِّ أُطر تنظيمية ولا تسيّره أي ضوابط قانونية، داخل بيئة العمل الرسمية، فالامر يبدو وكأنَّه سلوك خلُقي يخفف من وطأة المهام، ويسري بشكل يخضع لطبيعة العمل والطبيعة الإنسانية التي تسيطر على موظفيه أو أغضاء هذه المظومة الرسمية.

أبعاد سلوك المواطنة التنظيمية

  1. الإيثار: يشير هذا المصطلح إلى مساعدة الفرد لزملائه في العمل عند زيادة العبء أو في حالة غياب أحدهم، بما يعزز التعاون بين الفريق، وهذا ما أكَّدته دراسة حول المواطنة التنظيمية بعنوان “Determinants & Consequences of Organizational Citizenship Behavior: A Theoretical Framework for Indian Manufacturing Organizations”، عام 2014 نشرته مجلة “International Journal of Business and Management Invention”.
  2. الإنجاز وفقًا للضمير: تتمثل في الالتزام بالقواعد والعمل بكفاءة دون إضاعة الوقت، فيكون الإيثار هو ما يعكس الضمير المهني للفرد.
  3. الكياسة: تتعلق بالتشاور مع الزملاء قبل اتخاذ قرارات تؤثر عليهم، أو إخبارهم مسبقًا لتجنب المشكلات.
  4. الروح الرياضية: قدرة الفرد على تحمل الضغوط البسيطة في العمل دون شكوى، مع التركيز على الإيجابيات.
  5. صدق المواطنة: يشمل المشاركة الفعالة في أنشطة المنظمة وتقديم مقترحات لتحسينها، مع التحدث بإيجابية عن المنظمة.

أهمية السلوك.. كيف نفهم المواطنة التنظيمية داخل الينة الفندقية؟

الإيجابية

إنَّ سلوك المواطنة التنظيمية يؤثر بشكل إيجابي على إنتاجية الموارد البشرية داخل الفنادق، من خلال تعزيز الابتكار والمشاركة بين الموظفين، مما يخلق بيئة عمل تشجع على التفكير الإبداعي والتعاون. كما يسهم هذا السلوك في تحقيق الرضا الوظيفي وزيادة الالتزام لدى العاملين، حيث يشعرون بأنهم جزء من المنظمة ويسعون لتحسين أدائهم بشكل تطوعي.

بحسب دراسة نشرتها مجلة  ” African Journal of Business Management” عام 2013، بعوان ” The relationship between human resource productivity (HRP) and organizational citizenship behavior (OCB) “والتي كانت تدرس العلاقة بين فعالية حصول السلوك الإنساني والسلوك التنظيمي، أكَّد ت أن هذا الالتزام يعزز بدوره الكفاءة والإنتاجية العامة للمنظمة، مما يجعلها أكثر قدرة على المنافسة وتحقيق أهدافها.

تعزيز الفعالية الفندقة

يسهم سلوك المواطنة التنظيمية في تعزيز فعالية المنظومة الفندقية من خلال تحسين البيئة الاجتماعية والنفسية التي تدعم الأداء الوظيفي، مما يزيد من كفاءة المنظمة ويحقق رضا العملاء وبالتالي نمو الإيرادات.

الإيثار وروح التعاون يعززان قدرة المنظمة على الاحتفاظ بأفضل الموظفين، بينما تسهم الروح الرياضية والكياسة في خلق بيئة اجتماعية إيجابية بين العاملين، مما يقلل من الصراعات الداخلية ويعزز التناغم بين فرق العمل. هذا التفاعل الإيجابي بين الموظفين يؤدي إلى استقرار المنظمة ويدعم قدرتها على التنافس في السوق، فينقل النُزلاء سُمعَتها.

ولتمام فهم هذا السلوك، لابد من تحديد العوامل ذات التأثير المباشر في بيئة العمل الفندقي، حو ممارسة سلوك المواطنة التنظيمية كما يلي:

  1. الرضا الوظيفي

يمثل الرضا الوظيفي عاملاً أساسياً يعزز ممارسة العاملين لسلوك المواطنة التنظيمية، حيث يشير إلى حالة عاطفية إيجابية تنعكس في التزام العاملين وولائهم للمنظمة. يسهم الرضا الوظيفي في تقليل معدلات الغياب ودوران العمالة، ويعزز الابتكار والولاء. بالإضافة إلى ذلك، يعكس الرضا الوظيفي تقدير العامل للأجر وظروف العمل والتقدير من الآخرين، ما يعزز الشعور بالانتماء وتحفيز سلوكيات المواطنة التنظيمية.

  1. الالتزام التنظيمي

يعتبر الالتزام التنظيمي عاملًا حاسمًا في تقليل معدلات دوران العمالة وتعزيز الولاء للمنظمة. الالتزام العاطفي يعبر عن الرغبة الشخصية للعامل في البقاء والمساهمة في تحقيق أهداف المنظمة، بينما يعكس الالتزام الاستمراري إدراك العامل للفوائد والتكاليف المرتبطة بالبقاء أو المغادرة. من جانب آخر، الالتزام المعياري يعبر عن شعور العامل بالالتزام الأخلاقي تجاه المنظمة، مما يدفعه للبقاء والمساهمة الإيجابية.

  1. العدالة التنظيمية

تعد العدالة التنظيمية من العوامل المؤثرة بشكل مباشر في تعزيز سلوك المواطنة التنظيمية. تنقسم العدالة التنظيمية إلى ثلاثة أنواع: العدالة التوزيعية التي تتعلق بإحساس العامل بعدالة توزيع المكافآت والمخرجات؛ العدالة الإجرائية التي تتعلق بعدالة الإجراءات المتبعة في اتخاذ القرارات؛ والعدالة التعاملية التي تشير إلى الكيفية التي يتم بها التعامل مع العاملين واحترامهم وتقديرهم.

  1. الدعم التنظيمي

المستوى الذي يشعر فيه العامل بأن المنظمة تهتم به وتقدر مجهوداته وإسهاماته، وتولي اهتمامًا لاحتياجاته الاجتماعية والعاطفية. فالمنظمة التي تدعم العاملين من خلال تقدير جهودهم وأدائهم ومعرفة ما يقدمونه لتحقيق أهداف المنظمة، وتعتبرهم جزءًا من قيمها وتطلعاتها، تحقق نجاحات بسواعد عامليها الذين تأخذ في اعتبارها شكاواهم وتسعى لحلِّها، وتركز على مصالحهم الشخصية والمهنية عند اتخاذ أي قرارات مؤثرة، وبالتلي يكون الحرص على تعزيز ارتباطهم بعملهم والاستفادة من آرائهم واقتراحاتهم بابا لبيئة امل أكثر متعة وجاذبية.

أكَّد مبحوثون من فئة عمال الضيافة داخل الفنادق، طُبِّقت عليهم دراسة عام 2020، حول السلوك التنظيمي داخل بيئة العمل الفندقية بعنوان ” Hotels’ environmental leadership and employees’ organizational citizenship behavior ” بأنهم أصبحوا أكثر ميلًا للمشاركة في سلوكيات المواطنة التنظيمية الصديقة للبيئة كلما زادت معتقداتهم البيئية، وبالتالي وبحسب ما نشرته مجلَّة “International Journal of Hospitality Management”، كان الدعم التنظيمي يؤثر على هذه العلاقة، حيث زادت احتمالية انخراط العمال في هذه السلوكيات كلما زاد الدعم المتلقّى، والعكس صحيح.

 

ختامًا تظل ظاهرة ممارسة المواطنة التنظيمية، حالة اختيارية تخضع لها البيئة الفندقية للموظفين دون إجبار أو توجيه، وغيرها من بيئات العمل المختلفة، ولكنَّها تظل محتفظة كونها سلوكًا إنسانيًا يحافظ على أجواء العمل الداخلية؛ من أجل تقديم تجربة فعَّالة تشمل خدمة رائعة ومريحة للنُزلاء تنال إرضاءهم.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button