المدونة

السياحة تحت المجهر.. هل تحمي البيئة أم تهددها؟ وكيف تتحوّل إلى رافعة للتنمية المستدامة؟

السياحة تحت المجهر.. هل تحمي البيئة أم تهددها؟ وكيف تتحوّل إلى رافعة للتنمية المستدامة؟

35 Views

السياحة تحت المجهر.. هل تحمي البيئة أم تهددها؟ وكيف تتحوّل إلى رافعة للتنمية المستدامة؟

خاص – إم يه هوتيلز

تُعد السياحة البيئية أحد أبرز الاتجاهات العالمية التي تسعى لتحقيق التوازن بين الترفيه وحماية البيئة، حيث تساهم في الحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزيز التنمية المستدامة. إليك نظرة شاملة على تأثير السياحة على البيئة، وكيف يمكن أن تكون مصدرًا للتنمية البيئية وتشجيع الاستثمار، مع أمثلة حية من دول مختلفة:

أمثلة حية على السياحة البيئية

كوستاريكا.. رائدة السياحة البيئية
تُعد كوستاريكا من الدول الرائدة في مجال السياحة البيئية، حيث تمتلك تنوعًا بيولوجيًا غنيًا ومحميات طبيعية واسعة. تُسهم السياحة البيئية في دعم الاقتصاد المحلي وحماية البيئة.

ألبانيا.. دمج السياحة البيئية بالتنمية الريفية
في ألبانيا، تم إنشاء متنزه نهر فيوسا البري الوطني، الذي يُعد أول منتزه وطني لنهر بري في العالم. يُدار هذا المنتزه بطريقة تضمن توافق الأنشطة السياحية مع أهداف الحفاظ على البيئة ودعم سبل العيش المحلية.

السعودية.. “العلا” نموذج للسياحة البيئية المتكاملة
تعمل المملكة العربية السعودية على تعزيز السياحة البيئية من خلال إنشاء محميات طبيعية وتوفير فرص استثمارية في هذا القطاع. يُدير المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية عدة محميات، مثل محمية عروق بني معارض، التي تُعد نموذجًا عالميًا لأنشطة السياحة البيئية.

لكن تُعد محافظة العلا إحدى أبرز النماذج السعودية في السياحة البيئية، بفضل الجهود التي تقودها الهيئة الملكية لمحافظة العلا، والتي شملت إعادة توطين الحيوانات البرية كالمها العربي، وتوسيع نطاق المحميات الطبيعية. يُمنع التخييم العشوائي، وتُوفَّر برامج توعوية للسياح حول أهمية النظام البيئي الصحراوي، ما يخلق تجربة سياحية مسؤولة.

أُطلقت مبادرة “الرحلات الهادئة” لتعزيز السياحة البيئية منخفضة التأثير، إلى جانب استخدام الطاقة الشمسية في العديد من المرافق، مما جعل العلا تحتل موقعًا رياديًا في خارطة السياحة المستدامة بالمنطقة.

الإمارات.. محمية الوثبة بأبوظبي
في الإمارات، تمثل محمية الوثبة للأراضي الرطبة أحد النماذج الرائدة في السياحة البيئية. فقد حصلت المحمية على اعتماد دولي من اتفاقية رامسار، وتُستقبل الزوار عبر جولات مُنظمة تتيح لهم مراقبة الطيور المهاجرة ضمن بيئة محمية بدقة.

كما قامت هيئة البيئة في أبوظبي بتوفير مسارات خشبية وحدود محددة للزوار لتقليل التعدي على الموائل الطبيعية، مع استخدام تقنيات مراقبة رقمية تتابع التأثير البيئي، مما جعلها وجهة تجمع بين التعليم البيئي والسياحة الآمنة.

الكويت.. محمية الجهراء و”مسارات الطبيعة”
أعادت الهيئة العامة للبيئة في الكويت تهيئة محمية الجهراء لتكون وجهة رئيسية للسياحة البيئية، مع إنشاء مسارات مشاهدة الطيور وبرامج تعليمية للزوار. تُتيح هذه المحمية مراقبة أنواع نادرة من الطيور المهاجرة في بيئة ساحلية فريدة من نوعها على الخليج العربي.

وتشمل خطة التطوير إنشاء مركز زوار متكامل يستخدم الطاقة الشمسية ويعتمد على التوعية البيئية. كما تُدار النفايات بآليات دقيقة لمنع التأثير على الحياة البرية، مما يعكس التزام الكويت بتحويل المحميات إلى مصادر جذب مستدامة.

البحرين.. خليج توبلي وحماية النظم الساحلية
تبذل البحرين جهودًا ملموسة في حماية المناطق البيئية الحساسة عبر مشروع تطوير حديقة خليج توبلي البيئية، التي تُعد موئلًا هامًا للطيور والأسماك. تم تنظيم زيارات محدودة للأفراد والطلاب لتعزيز التعليم البيئي مع الحفاظ على التوازن البيولوجي.

كما أُطلقت مبادرة لاستزراع نبات القرم في المناطق المتدهورة، وذلك لتحسين جودة المياه وتعزيز التنوع البيولوجي، وتُرافق هذه المبادرات بحملات توعية تديرها وزارة البيئة بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني.

مصر.. “بلدنا الحلوة” نموذج حي على الأرض السمراء
مشروع “بلدنا الحلوة” في مصر، الذي أُطلق في محافظة الفيوم بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث جرى تدريب المجتمعات المحلية على استقبال السياح ضمن إطار مستدام يعزز من حماية البيئة ويوفر دخلًا ثابتًا للأسر الريفية. كذلك، عملت سلطنة عمان على تطوير مناطق كخليج مصيرة وجبل شمس كوجهات بيئية تقدم تجارب غنية للسياح، بينما تُحافظ على النظم البيئية البحرية والجبلية من خلال قوانين مشددة للأنشطة السياحية

من المحاذير إلى التشجيع.. كيف تتحول السياحة إلى رافعة لحماية البيئة؟
رغم الدور الحيوي الذي تلعبه السياحة في تعزيز الاقتصاد المحلي والعالمي، إلا أن تأثيرها البيئي ليس دومًا إيجابيًا. من أبرز السلبيات المرتبطة بالنشاط السياحي التدهور الملحوظ في المواطن الطبيعية، خاصة عند بناء الفنادق والمنتجعات في مناطق حساسة بيئيًا مثل الجزر والشواطئ.

كما يؤدي تدفق الزوار إلى التسبب في التلوث الناتج عن النفايات الصلبة ومياه الصرف، فضلًا عن الانبعاثات الكربونية المرتبطة بوسائل النقل. ويُعد الضغط الكبير على الموارد –خصوصًا الماء والطاقة– من التحديات الحاسمة التي تواجه المناطق السياحية، حيث يمكن أن يُفاقم السياحة من استهلاك هذه الموارد في المناطق الجافة أو قليلة الموارد.

في المقابل، تفتح السياحة البيئية أو “الإيكوسياحة” أفقًا إيجابيًا يمكن أن يُغيّر مسار هذا القطاع نحو حماية البيئة بدلاً من استنزافها. فعندما يتم تطوير السياحة ضمن أطر مستدامة، يمكن استغلال عائداتها في تمويل المحميات الطبيعية، وصيانة المتنزهات الوطنية، وتنفيذ مشاريع إعادة التشجير أو تنظيف السواحل. وتُعد تجربة كوستاريكا واحدة من النماذج الرائدة عالميًا في هذا المجال، إذ تمثل السياحة البيئية 5% من ناتجها المحلي، وتُموّل منها حملات لحماية الغابات المطير.

أخيرًا، يبقى التحدي في تحويل السياحة من مصدر ضغط بيئي إلى أداة للتنمية البيئية المستدامة. ويتحقق ذلك عبر سياسات تنظيمية واضحة، وتحفيز الاستثمارات الخضراء، وتثقيف السياح حول أثرهم البيئي، بالإضافة إلى إشراك المجتمعات المحلية كشركاء في العملية السياحية. وبهذا تتحول السياحة من خطر بيئي محتمل إلى رافعة تنموية تحمي البيئة، وتُعزز الاقتصاد، وتُوطّد الهوية الثقافية.

انفتاح السياحة البيئية كمصدر للتنمية البيئية وتشجيع الاستثمار
تشهد السياحة البيئية نموًا متسارعًا عالميًا، حيث تُعد نموذجًا للسياحة المستدامة يركز على زيارة المناطق الطبيعية بطريقة تحترم البيئة وتدعم المجتمعات المحلية.

فوائد السياحة البيئية
حماية التنوع البيولوجي: تعزز الجهود لحماية المحميات الطبيعية والمناطق ذات التنوع البيولوجي العالي.
تعزيز الوعي البيئي: تزيد من وعي الزوار بأهمية الحفاظ على البيئة من خلال التفاعل المباشر مع الطبيعة.
دعم الاقتصاد المحلي: توفر فرص عمل مستدامة للسكان المحليين، خاصة في المناطق الريفية والنائية.
تقليل البصمة الكربونية: تركز على الأنشطة ذات التأثير البيئي المنخفض، مثل الرحلات سيرًا على الأقدام وركوب الدراجات.

وفقًا لتقرير صادر عن “Fortune Business Insights” في مارس 2025، بلغ حجم سوق السياحة البيئية العالمية 216.49 مليار دولار أمريكي في عام 2023، ومن المتوقع أن ينمو إلى 759.93 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 14.31٪ خلال الفترة المتوقعة.

هذا النمو يعكس تزايد اهتمام المسافرين بالوجهات التي تقدم تجارب سياحية تحترم البيئة وتساهم في التنمية المستدامة. كما يشير إلى فرص استثمارية واعدة في هذا القطاع، مما يُشجع على تطوير مشاريع سياحية بيئية تدعم الاقتصاد المحلي وتحافظ على الموارد الطبيعية.

نحو سياحة بيئية متوازنة ومستدامة
رغم الآفاق الواعدة للسياحة البيئية، إلا أن التطبيق الميداني لا يخلو من تحديات معقدة، تبدأ من التوسع غير المنظم للمشاريع السياحية في المناطق الحساسة بيئيًا، وتصل إلى تغييب دور المجتمعات المحلية. فالبنية التحتية الثقيلة، مثل بناء الفنادق والطرق، قد تؤدي إلى تدمير المواطن الطبيعية وتشويه النظم البيئية، بينما يتسبب توافد أعداد كبيرة من السياح إلى ارتفاع التلوث بالنفايات، وضغط كبير على الموارد الطبيعية مثل المياه والطاقة. الأسوأ من ذلك أن بعض المجتمعات المستضيفة تُستبعد من الاستفادة الاقتصادية المباشرة، ما يُحدث فجوة اجتماعية ويضعف فرص التنمية المحلية الحقيقية.

ولمواجهة هذه التحديات، تبنت العديد من الدول والمشاريع آليات إصلاحية طموحة. تشمل هذه الإجراءات وضع تشريعات صارمة تُقيّد البناء العشوائي في المحميات البيئية، وربط الاستثمار السياحي بممارسات صديقة للبيئة. كما تم إطلاق برامج توعوية تستهدف السياح وأصحاب المصلحة، إلى جانب إشراك السكان المحليين في تخطيط وتسيير الأنشطة السياحية.

في دول مثل كوستاريكا ونيوزيلندا، أصبحت المجتمعات الريفية شريكًا فاعلًا في تنظيم السياحة البيئية، ما ساهم في تعزيز الشعور بالملكية والحفاظ على الموارد. كذلك، يُعد الاستثمار في الطاقة الشمسية، وإعادة تدوير المياه، وتصميم منشآت منخفضة الأثر من أبرز ملامح “السياحة الخضراء” التي ترسم مستقبل القطاع.

الآن صارت تُمثل السياحة البيئية فرصة فريدة لتحقيق توازن بين الاستمتاع بالطبيعة وحمايتها، لكنها في الوقت نفسه تواجه تحديات كبيرة تحتاج إلى جهود منسقة للتغلب عليها. من خلال تبني سياسات مستدامة وشراكات فعالة مع المجتمعات المحلية، يمكن أن تصبح السياحة البيئية أداة قوية ليس فقط في الحفاظ على البيئة، بل أيضًا في تعزيز الاقتصاد المحلي وتحقيق العدالة الاجتماعية.

اقرأ أيضًا: الفنادق المستدامة.. دمج معايير البيئة في صناعة الضيافة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى