السياحة والاستدامة الثقافية في جزيرة هيسا.. قراءة في التأثيرات السلبية
إم إيه هوتيلز – خاص
بين مياه النيل الهادئة وظلال النخيل العتيقة، تقف جزيرة هيسا جنوب أسوان كنموذج حيّ للتمازج بين الأصالة والانفتاح. لكن خلف هذا الجمال، تتزايد الأسئلة حول الثمن الثقافي الذي تدفعه المجتمعات الصغيرة في مواجهة السياحة المتصاعدة.
تأتي هذه الدراسة لتُحلل بعمق كيف تؤثر السياحة، حين تُدار دون وعي ثقافي، على الاستدامة الاجتماعية والهوية المحلية في جزيرة هيسا، حيث لا يُقاس الأثر فقط بالمال الداخل، بل بما يتغيّر في اللغة، العادات، والأنماط الحياتية.
الخصوصية النوبية.. بين الانفتاح والتآكل
هيسا ليست مجرد وجهة نيلية ساحرة، بل مجتمع نوبي قائم على علاقات القرابة، اللغة، والطقوس اليومية الخاصة. ومع تزايد التدفق السياحي، بدأت مظاهر التغير تظهر في سلوك السكان، طريقة اللباس، واختفاء بعض الممارسات اليومية التي كانت تُشكّل النسيج الاجتماعي للجزيرة.
الدراسة تشير إلى أن التأثير الثقافي لا يأتي دائمًا بشكل مباشر، بل يتسلل عبر الزمن، من خلال التكرار، والاعتياد، والضغط الاقتصادي الذي يدفع الأجيال الجديدة لتبنّي ما يرضي السائح على حساب الموروث.
الضغوط الاقتصادية.. هل تُبرر التنازلات الثقافية؟
يُواجه المجتمع المحلي خيارًا صعبًا: الحفاظ على هويته أو الانخراط في الاقتصاد السياحي السريع. فبينما توفّر السياحة فرص عمل وخدمات، تُنتج في المقابل ديناميكية جديدة من الاعتماد على الطلب الخارجي، ما يدفع إلى تقديم عروض “مُؤدلجة” للتراث النوبي، مصمّمة خصيصًا لتناسب ذوق السائح، وليس حقيقتها الأصلية.
ترى الدراسة أن هذه العملية، إن لم تُنظّم، تتحوّل إلى مسار محو تدريجي للذات الجماعية، واستبدال الثقافة الحية بنسخة استهلاكية منها.
ضعف السياسات الثقافية.. غياب الحماية المؤسسية
غياب السياسات الحكومية والرقابة الثقافية في مناطق مثل هيسا يجعل المجتمع المحلي عرضة للاستنزاف دون وجود خطط لحماية الإرث غير المادي. لا توجد آليات حقيقية لحفظ اللغة النوبية، توثيق الفلكلور المحلي، أو ضمان أن السياحة تُعزّز الثقافة بدلاً من أن تُشوّهها.
الدراسة تُشدّد على أن حماية الاستدامة الثقافية لا يجب أن تُترك فقط للوعي الفردي، بل تحتاج إلى إطار مؤسسي يُنظّم العلاقة بين السياحة والمجتمع، ويمنح الأهالي أدوات التفاوض مع السوق السياحي من موقع القوة وليس الاضطرار.
التحدي الحقيقي.. كيف نحمي الهوية دون عزل؟
الدرس الأهم الذي تُقدّمه الدراسة هو أن السياحة ليست عدوًا، لكنها تصبح خطرًا حين لا يُراعى السياق المحلي. الحل لا يكمن في رفض السياحة، بل في إدماجها ضمن مسارات تعليمية، وثقافية، وتشاركية، تحفظ للنوبيين لغتهم، وتحافظ على طقوسهم، وتمنحهم صوتًا في رسم ملامح تجربتهم مع الزوار.
اقرأ أيضًا: التكنولوجيا في صناعة الضيافة.. الفرص والتحديات في بيئة متحوّلة





