الفنادق المستدامة في الخليج.. من رفاهية إلى ضرورة بيئية
إم إيه هوتيلز – خاص
حتى وقتٍ قريب، كان يُنظر إلى الاستدامة في الفنادق بوصفها خيارًا نخبويًا، يُقدَّم لضيوف محددين في فئات المنتجعات البيئية أو الفنادق البوتيكية. لكن هذه النظرة تغيّرت بشكل جذري خلال السنوات الأخيرة، خاصة في منطقة الخليج، حيث تحوّلت الاستدامة من ميزة إضافية إلى ضرورة تشغيلية واستراتيجية مرتبطة بالبقاء، الربحية، والتوافق مع التحولات البيئية والتشريعية.
مع التحديات المناخية التي تواجه المنطقة، مثل ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة، أصبح من غير الممكن الحديث عن تشغيل فندقي ناجح دون أن تكون الاستدامة جزءًا جوهريًا من البنية التشغيلية والهوية المؤسسية.
السياق البيئي في الخليج يُعيد صياغة الأولويات
تعاني دول الخليج من تحديات بيئية متسارعة، تشمل الاعتماد الكبير على الطاقة لتبريد المباني، والإفراط في استهلاك المياه، والنفايات الناتجة عن الأنشطة السياحية. هذه التحديات لم تَعُد فقط مصدر قلق بيئي، بل أصبحت عامل ضغط على استدامة الأعمال نفسها، بما فيها الفنادق.
الفنادق، بوصفها منشآت تعتمد على الطاقة والمياه بكثافة، تجد نفسها في مقدمة المؤسسات التي تواجه هذا التحدي. ولهذا، أصبح من الطبيعي أن تتحول الاستدامة من خيار إلى متطلب ملحّ يُفرض من السوق، الضيوف، والحكومات.
من الحملات التسويقية إلى تغيير البنية التشغيلية
في المرحلة الأولى، تبنّت بعض الفنادق الخليجية ممارسات صديقة للبيئة على مستوى الحملات التسويقية فقط، مثل إعادة استخدام المناشف أو تقليل البلاستيك في الغرف. لكن هذه المبادرات لم تكن كافية لإحداث فرق حقيقي.
التحوّل الحقيقي بدأ عندما بدأت بعض الفنادق تعيد هيكلة عملياتها بالكامل: استخدام الطاقة الشمسية لتدفئة المياه، أنظمة تبريد عالية الكفاءة، أنظمة إدارة ذكية للإضاءة، وتقنيات إعادة تدوير المياه الرمادية.
في السعودية والإمارات، بدأنا نرى فنادق جديدة تُبنى وفق معايير “LEED” أو “EDGE”، وتُدمج تقنيات البناء الأخضر منذ التخطيط، مما يجعل الكفاءة البيئية جزءًا أصيلًا من البنية.
السياح الجدد يبحثون عن معنى.. لا مجرد إقامة
جيل المسافرين الحالي لا يبحث فقط عن الرفاهية، بل عن تجربة ذات قيمة. السائح اليوم يُقيّم الفندق بناءً على بصمته الكربونية، استهلاكه للمياه، وسياساته تجاه الطعام، النفايات، والمجتمع.
فندق في أبوظبي خفّض استهلاك المياه بنسبة 40% عبر إعادة تصميم شبكة الري، وآخر في الرياض استبدل نظام التكييف المركزي بتقنيات تبريد بالتبخير، مما خفّض الاستهلاك الكهربائي بمعدل شهري مؤثر.
هذه الإجراءات، وإن بدت تقنية، أصبحت جزءًا من الرسائل التسويقية، بل وسببًا مباشرًا لاختيار الفندق من قبل الضيوف الواعين.
المبادرات الحكومية تُسرّع التغيير
أدركت الحكومات الخليجية أهمية دور قطاع الضيافة في تحقيق مستهدفات الاستدامة الوطنية. ففي السعودية، تضمّن “برنامج كفاءة الطاقة” استهدافات مباشرة للفنادق، وصدرت تعليمات لتقليل الهدر في الكهرباء والمياه.
وفي الإمارات، أُطلقت مبادرات لتشجيع الفنادق على استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وإصدار شهادات بيئية للمؤسسات التي تتجاوز المعايير الأساسية، مما أعطى دفعة قوية للفنادق التي قررت أن تسبق التغيير.
الفرق بين فندق يطبّق الاستدامة شكليًا وآخر يُديرها بذكاء
الفندق الذي يضع الاستدامة ضمن هيكله التشغيلي يحقق وفورات حقيقية على مستوى الطاقة والمياه، ويحسن صورته السوقية، ويضمن توافقه مع الأنظمة الحكومية القادمة.
بينما الفندق الذي يكتفي برفع شعارات بيئية دون تغيير فعلي في طريقة تشغيله، يُعرّض نفسه للانتقاد، التراجع في التقييمات، وربما الغرامات أو صعوبة التوسع لاحقًا.
تساؤلات الإدارة.. هل نحن مستعدون للانتقال من المبادرات إلى النظام؟
السؤال الأهم لم يعد: هل نتبنّى مبادرات بيئية؟ بل: هل نُعيد تصميم الفندق ليكون مستدامًا من الأساس؟ هل نُدرّب الفرق التشغيلية على ممارسات الاستدامة اليومية؟ وهل نملك بيانات واضحة عن الاستهلاك لقياس الأثر الحقيقي؟
في الخليج، حيث تتقاطع الضيافة مع الرؤية الاقتصادية والبيئية، أصبحت الاستدامة مسألة تتعلق بالنجاح التشغيلي، وليست فقط اختيارًا أخلاقيًا.
اقرأ أيضًا: الفنادق المستدامة.. إعادة تدوير النفايات كخطوة نحو بيئة أفضل





