فنادق بلا بلاستيك.. كيف تتجه الصناعة نحو الضيافة الصديقة للبيئة؟
خاص – إم إيه هوتيلز
تتجه صناعة الضيافة نحو تبني ممارسات أكثر استدامة، ومن أبرز هذه المبادرات التخلص من البلاستيك أحادي الاستخدام. تسعى الفنادق حول العالم إلى تقليل بصمتها البيئية من خلال استبدال المواد البلاستيكية ببدائل صديقة للبيئة، مما يعكس التزامًا متزايدًا بالحفاظ على البيئة وتلبية توقعات النزلاء الواعين بيئيًا.
في ظل التحديات البيئية المتزايدة، تبدو الفكرة وكأنها تحتاج إلى جهد جهيد، لكن سبيل الاستدامة صارت جديرةً بالمحاولة والتجريب، لا سيّما وأنَّ قطاع الفنادق والضيافة صار ينمو بشكل أكبر؛ لتبدو جدارة الاهتمام متسقة مع هذا النمو والتطلُّع الكبيرين في مختلف أنحاء العالم.
مفهوم “الفنادق بلا بلاستيك”: نحو ضيافة مستدامة
يشير مفهوم “الفنادق بلا بلاستيك” إلى الجهود المبذولة من قبل المنشآت الفندقية لتقليل أو القضاء على استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام في عملياتها اليومية. يشمل ذلك استبدال الزجاجات البلاستيكية بعبوات قابلة لإعادة التعبئة، واستخدام أدوات مائدة قابلة للتحلل، وتوفير مستلزمات استحمام في عبوات كبيرة قابلة لإعادة الاستخدام. تهدف هذه المبادرات إلى تقليل النفايات البلاستيكية وتعزيز تجربة نزلاء أكثر استدامة.
جذور الاستدامة الفندقية.. من التوعية إلى التطبيق
تنبع الاستدامة الفندقية من الحاجة إلى تقليل الأثر البيئي للمنشآت السياحية. تشمل هذه الجهود تقليل استهلاك الموارد، مثل المياه والطاقة، وتقليل النفايات، وتعزيز الممارسات البيئية في جميع جوانب العمليات الفندقية. من خلال تبني ممارسات مستدامة، يمكن للفنادق تحسين كفاءتها التشغيلية وتلبية توقعات النزلاء المهتمين بالبيئة.
كيف تتحقق الاستدامة الفندقية؟
تحقيق الاستدامة في الفنادق يتطلب وضع استراتيجية شاملة تهدف إلى تقليل الأثر البيئي وتعزيز الكفاءة التشغيلية. تبدأ هذه الاستراتيجية بإدارة النفايات من خلال تطبيق برامج إعادة التدوير، والتقليل من النفايات الناتجة عن استخدام الأدوات البلاستيكية أحادية الاستخدام، عبر استبدالها بأدوات مائدة قابلة لإعادة الاستخدام ومستدامة. كما تسهم توفير مستلزمات الاستحمام في عبوات كبيرة قابلة لإعادة التعبئة في الحد من استهلاك المواد البلاستيكية وتقليل الفاقد.
جانب آخر رئيسي هو كفاءة الطاقة، حيث يعتمد تحقيق الاستدامة على استخدام الأجهزة الموفرة للطاقة مثل الإضاءة بتقنية LED، وأنظمة التكييف الذكية التي تنظم استهلاك الكهرباء بناءً على احتياجات الإشغال. إلى جانب ذلك، يشمل الحفاظ على المياه تركيب أدوات صحية منخفضة التدفق، واستخدام أنظمة ري ذكية تعمل على تقليل هدر المياه، بما يساهم في الحفاظ على هذا المورد الحيوي.
المشتريات المستدامة تمثل محورًا أساسيًا في الاستراتيجية، إذ يُفضل شراء المنتجات المحلية والمستدامة، ما يقلل البصمة الكربونية المرتبطة بالنقل ويدعم المجتمعات المحلية. ولا يكتمل نجاح هذه المبادرات دون توعية الموظفين وتدريبهم على تبني الممارسات الصديقة للبيئة، إلى جانب إشراك النزلاء في جهود الاستدامة من خلال برامج توعوية تشجعهم على المشاركة في الحفاظ على البيئة خلال إقامتهم.
ممارسات بلا بلاستيك.. نماذج تطبيقية عالمية
تُعد فنادق ومنتجعات Soneva من أبرز الأمثلة على الضيافة المستدامة، حيث تدير ثلاثة منتجعات فاخرة: Soneva Fushi في جزيرة كونفونادو داخل محمية با أتول في المالديف، وSoneva Jani في جزيرة ميدهوفارو بأتول نونو، وSoneva Kiri في جزيرة كوه كود بتايلاند. تتميز هذه المنشآت بحظر استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام منذ عام 2008، وتوفير مياه معبأة في زجاجات قابلة لإعادة الاستخدام، بالإضافة إلى إعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى منتجات جديدة، وزراعة منتجات عضوية في حدائقها الخاصة.
تنتشر فنادق ومنتجعات Six Senses في مواقع متعددة حول العالم، منها Six Senses Laamu في أتول لاامو بالمالديف، وSix Senses Krabey Island في جزيرة كرابي بكمبوديا، وSix Senses Zighy Bay في مسندم بسلطنة عمان. تلتزم هذه المنشآت بمبادرة “خالية من البلاستيك” بحلول عام 2022، وتوفر مياه معبأة في زجاجات زجاجية قابلة لإعادة الاستخدام، وتعمل على إعادة تدوير النفايات وتقديم برامج توعية بيئية للنزلاء.
في الهند، يقع فندق Araiya Palampur في مدينة بالامبور بولاية هيماشال براديش، ويعتمد على ممارسات مستدامة مثل استخدام محطات تنقية المياه الخاصة لتقليل الحاجة إلى زجاجات المياه البلاستيكية، وتوفير مستلزمات استحمام في عبوات قابلة لإعادة التعبئة، والاعتماد على منتجات نباتية وخالية من الكبريتات والبارابين.
أما في أوروبا، فيُعد Solar Branco Eco Estate في جزيرة ساو ميغيل بجزر الأزور بالبرتغال مثالًا على الضيافة البيئية، حيث يحظر استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام، ويعتمد على الطاقة الشمسية بنسبة 80%، وينفذ برامج لإعادة التدوير وتقليل النفايات الغذائية. وفي كوبنهاغن بالدنمارك، يتميز Coco Hotel بالاعتماد على الطاقة الشمسية بنسبة 100%، وحظر استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام، وزراعة شجرة لكل حجز يتم عبر الموقع الإلكتروني، واستخدام منتجات عضوية وخالية من البلاستيك.
استدامة تتجلَّى في أقطارنا العربية
في المملكة العربية السعودية، يشهد قطاع الضيافة تحولًا ملحوظًا نحو الاستدامة، مدفوعًا برؤية 2030 التي تركز على تنويع الاقتصاد والحفاظ على البيئة. يُعد منتجع “نوفا الرياض” من راديسون كوليكشن مثالًا بارزًا، حيث يعتمد على ممارسات بيئية مستدامة تشمل استخدام الطاقة المتجددة، وتقليل استهلاك المياه، وتقديم منتجات صديقة للبيئة. كما أن مشروع نيوم يُمثل نقلة نوعية في السياحة المستدامة، حيث يهدف إلى الحفاظ على 95% من الموارد الطبيعية، وإنشاء أكبر حديقة مرجانية في العالم، وزراعة 100 مليون شجرة وشجيرة وأعشاب، واستعادة 3.7 ملايين فدان من الموائل الطبيعية بحلول عام 2030.
كما تتبنى العديد من الفنادق في مصر ممارسات السياحة المستدامة، مثل استخدام الطاقة المتجددة وتقليل استخدام البلاستيك، مما يسهم في حماية البيئة وجعل السياحة أكثر استدامة على المدى الطويل. كما أن مبادرة “النجمة الخضراء” تهدف إلى تشجيع القطاع الفندقي في مصر على التحول إلى فنادق خضراء، حيث يهدف البرنامج إلى التأثير العميق في عملية تطوير الوجهات السياحية في مصر.
في الإمارات العربية المتحدة، تُعد الفنادق الصديقة للبيئة من الاتجاهات المتطورة والحديثة للسياحة البيئية، حيث تعتمد على ممارسات بيئية تشمل ترشيد استهلاك الطاقة التقليدية، والانتقال إلى الطاقة البديلة، وتقنيات حفظ المياه، وإدارة النفايات وتدويرها. وقد منحت دائرة الاقتصاد والسياحة بدبي “ختم دبي للسياحة المستدامة” لـ 153 فندقًا، مما يعكس التزام قطاع الضيافة في دبي بتطبيق المعايير البيئية المعتمدة، ويسهم في تعزيز مكانتها كإحدى وجهات السياحة المستدامة الرائدة عالميًا.
يمثل التحول نحو فنادق بلا بلاستيك خطوة مهمة في مسار الاستدامة الفندقية. من خلال تبني ممارسات صديقة للبيئة، يمكن للفنادق تقليل تأثيرها البيئي، وتلبية توقعات النزلاء، وتعزيز سمعتها في السوق. مع تزايد الوعي البيئي بين المسافرين، تصبح الاستدامة عنصرًا حاسمًا في نجاح الفنادق واستمراريتها.
اقرأ أيضًا: الفنادق الخضراء.. كيف تحولت الضيافة إلى نموذج صديق للبيئة؟





