المدونة

الفنادق العائمة.. مستقبل الضيافة في ظل تغيرات المناخ

الفنادق العائمة.. مستقبل الضيافة في ظل تغيرات المناخ

20 Views

الفنادق العائمة.. مستقبل الضيافة في ظل تغيرات المناخ

خاص – إم إيه هوتيلز

في عصر يواجه فيه العالم تحديات بيئية غير مسبوقة، لم تعد الضيافة مجرد خدمة تقليدية، بل أصبحت جزءًا من حركة الابتكار البيئي. ومع ارتفاع مستويات سطح البحر وتهديد السواحل، ظهرت الفنادق العائمة كحل هندسي واقتصادي جديد يُوازن بين الرفاهية والاستدامة.

المنشآت تلك، والتي تطفو فوق الماء وتتكيف مع الظروف المناخية المتغيرة، تمثل مستقبلًا واعدًا للسياحة البيئية الفاخرة.

أثينييا.. تصميم مبتكرة لمستقبل مستدام
تُجسد الفنادق العائمة مثالًا حيًا للهندسة الذكية في وجه التحديات المناخية. أحد النماذج البارزة هو جناح “أثينييا” Anthenea Pod الفرنسي، والذي تم تصميمه على شكل كبسولة فضائية مستديرة تطفو فوق سطح الماء. يستخدم هذا النموذج الطاقة الشمسية بنسبة 100%، ويحتوي على نظام إعادة تدوير المياه الرمادية، ومكيف هواء ذاتي التشغيل بالطاقة النظيفة. وقد صُمم ليتحرك بسهولة ويُرسو في مختلف المواقع البحرية، ما يتيح تجارب إقامة متجددة وصديقة للبيئة.

إضافة إلى التصميم المستدام، تتميز هذه النماذج بمكونات قابلة لإعادة التدوير بالكامل، مما يقلل من أثرها البيئي. كما أن استخدامها لمواد خفيفة الوزن ومقاومة للماء مثل الألومنيوم المقوّى والألياف الزجاجية يجعلها أقل استهلاكًا للموارد خلال التصنيع والنقل، مما يُعزز من جدواها في البيئات البحرية الحساسة.

الفلل العائمة في البحر الأحمر.. هندسة سعودية تتناغم مع البيئة
تُمثل الفلل العائمة التي تطورها شركة البحر الأحمر الدولية، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، نموذجًا سعوديًا رائدًا في مجال الضيافة المستدامة على الماء، ضمن مشروع البحر الأحمر المدعوم من صندوق الاستثمارات العامة. يقع المشروع في جزيرتي شيبارة وأمهات، ويعكس التزامًا دقيقًا بتصميم منشآت فاخرة لا تضر بالشعاب المرجانية والبيئة البحرية الحساسة. تُستخدم دراسات محيطية دقيقة لضمان اختيار المواقع الملائمة للفلل والمطاعم والمنشآت، بما يوازن بين التجربة السياحية الراقية والحفاظ على النظام البيئي البحري. وقد كشفت الشركة عن هذه المشروعات خلال معرض سوق السفر العالمي 2023 في لندن كجزء من استراتيجيتها لاستقطاب السياح الباحثين عن تجارب بيئية فاخرة.

في جزيرة شيبارة، ابتكرت شركة التصميم “كيلا ديزاين” مجموعة من الفلل العائمة المصنوعة من الفولاذ المصقول، الذي يعكس ألوان الماء والسماء ويمنح التصميم بعدًا بصريًا متناغمًا مع الطبيعة. استُوحيت التصاميم الداخلية من الكثبان الرملية، فيما تُحيط بالشاطئ شعاب مرجانية تمتد من عمق 30 حتى 40 مترًا، مما يجعلها نقطة جذب مثالية لعشّاق الغوص. ويُعد منتجع شيبارة أول علامة فندقية مملوكة ومدارة بالكامل من قبل البحر الأحمر الدولية، ما يؤسس لحقبة جديدة من العلامات المحلية الفاخرة ضمن مشروع البحر الأحمر.

أما في جزيرة أمهات، فقد جاء تصميم الفلل العائمة على يد المعماري الياباني الشهير كنغو كوما بالتعاون مع شركات مثل بلومر ليهمان السويسرية والبواني السعودية. اتخذت الفلل العائمة شكلًا حلزونيًا يتيح رؤية بانورامية على البحر، مع تنسيق دقيق للموقع بما يراعي الهندسة البحرية وقياس الأعماق والتنوع البيولوجي.

احتضنت الجزيرة افتتاح فنادق عالمية، مثل “سانت ريجيس البحر الأحمر” و”ريتز- كارلتون ريزيرف”، مما يضع المملكة في طليعة الدول التي تدمج الضيافة الفاخرة بالاستدامة البيئية. ويُعزز ذلك انطلاق الرحلات الدولية إلى مطار البحر الأحمر الدولي منذ أبريل 2024، مما يسهل الوصول لهذه الوجهات البحرية الفريدة.

مشاريع رائدة في مواجهة التغير المناخي
من أبرز التجارب العالمية مشروع “مدينة المالديف العائمة”، الذي تطوره الحكومة بالتعاون مع شركة Dutch Docklands الهولندية. يهدف هذا المشروع إلى بناء مدينة كاملة فوق الماء تتألف من وحدات سكنية وتجارية عائمة، صممت لتتكيف مع ارتفاع مستويات البحار. بحسب موقع ويكيبيديا، تعد هذه المدينة الأولى من نوعها في آسيا، ومن المتوقع أن تستوعب أكثر من 20,000 نسمة عند اكتمالها، لتكون نموذجًا لمدن المستقبل المقاومة للكوارث المناخية.

كما تنضم الإمارات إلى هذا الاتجاه من خلال إطلاق مشروع فندق عائم صديق للبيئة على شواطئ دبي، بالتعاون مع شركة”Seagate Shipyard” يتألف الفندق من 156 غرفة قابلة للفصل والانتقال، ويتميز باستخدام تقنيات الطاقة المتجددة وتقليل النفايات، ما يُعزز توجه دبي نحو التنمية السياحية المستدامة.

تجارب فندقية فريدة تحت الماء
لا تقتصر الابتكارات على الفنادق العائمة، بل تمتد إلى الفنادق تحت الماء، التي توفر تجربة إقامة استثنائية تربط النزيل بالبيئة البحرية بشكل مباشر. يُعد فندق “ريف وورلد”Reefworld في الحاجز المرجاني العظيم بأستراليا أحد هذه النماذج الرائدة. يقدم الفندق غرفًا تحت مستوى سطح البحر مع نوافذ بانورامية لرؤية الحياة البحرية، ويعتمد في تشغيله على الطاقة الشمسية بالكامل.

وفي المالديف، يبرز فندق “كونراد رانغالي آيلاند” بجناحه الفندقي تحت الماء “The Muraka”، الذي يُعد الأول من نَوْعِه عالميًا ويمنح الضيوف تجربة مشاهدة الحياة البحرية من أعماق المحيط. التصميم يستند إلى مواد شفافة متينة تضمن الاستقرار والسلامة، بينما يوفر تجربة تفاعلية مع الطبيعة لا تُضاهى.

الفنادق العائمة وتحت الماء لم تعد مجرد أفكار مستقبلية، بل تحوّلت إلى حلول واقعية تُعيد تعريف معنى الضيافة في القرن الحادي والعشرين. من خلال الجمع بين التصميم الذكي، والتكنولوجيا المستدامة، والاستجابة لتحديات المناخ، تُقدّم هذه المنشآت نموذجًا حيًا لمستقبل الضيافة الذي يُوازن بين رفاهية الإنسان واستدامة الكوكب.
ختامًا، مع التوسع في هذه التجارب عالميًا، يُحتمل أن تُصبح الفنادق العائمة جزءًا لا يتجزأ من البنية السياحية للمدن الساحلية والمهددة بالغرق في العقود القادمة.

فهل نحن مستعدٌّون لهذه التجربة الفارقة؟

اقرأ أيضًا: كيف يمكن للفنادق مواجهة ارتفاع تكاليف التشغيل دون المساس بجودة الخدمة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى