إم إيه هوتيلز – خاص
في زمنٍ لم تعد فيه الضيافة تقتصر على تقديم سريرٍ مريح أو وجبة فاخرة،
تحولت العلاقة بين الفندق والنزيل إلى تجربة إنسانية مصممة خصيصًا لتناسب الشخصية الفردية لكل ضيف،
فلم يعد السؤال هو “ما الذي يقدمه الفندق؟” بل “لمن يُقدَّم هذا الأسلوب من الضيافة؟”.
هكذا بدأت مرحلة جديدة من علم الضيافة الحديثة، حيث تتقاطع التكنولوجيا مع علم النفس السلوكي لتُنتج تجربة فندقية تعكس ملامح الشخصية قبل أن يدخل النزيل من الباب.
الفنادق الذكية اليوم لم تعد تكتفي بمعرفة اسم النزيل أو تاريخه في الحجوزات،
بل باتت تحلل سلوكياته السابقة وتفضيلاته الصغيرة — من طريقة اختياره للغرفة إلى سرعة رده على البريد الإلكتروني —
لتتعرف على نوع شخصيته وتبني تجربة إقامة تتناسب مع طريقته في التفكير، ونمط حياته، وحاجته النفسية للراحة أو التفاعل.
الشخصية كمحور للضيافة المعاصرة
يشير تقرير Hospitality Data Insights 2025 إلى أن 68٪ من النزلاء يفضلون الإقامة في فندق “يشبههم”،
أي في مكانٍ يشعرون أنه يفهم أسلوب حياتهم ونمط تفكيرهم.
فالشخص الانطوائي لا يبحث عن حفلات في اللوبي أو دعوات إلى الفعاليات،
بينما المسافر الاجتماعي يكره الصمت ويحتاج إلى بيئة تفاعلية تدعوه للاندماج.
ومن هنا، أصبح تصنيف الشخصيات أداة فندقية فعّالة تستخدمها السلاسل العالمية لبناء ما يُعرف بـ الضيافة النفسية (Psychological Hospitality).
الفكرة ليست في تمييز النزلاء ببطاقات،
بل في صياغة خدمات تتوافق مع دوافعهم الداخلية دون تصريح أو سؤال،
فالفندق الذكي يستطيع اليوم أن يتنبأ بما يحتاجه الضيف بناءً على أنماط سلوكه الرقمية،
تمامًا كما يفعل الذكاء الاصطناعي في المتاجر الإلكترونية أو تطبيقات الموسيقى.
الشخصية الهادئة.. بين الصمت والسكينة
للنزيل الهادئ أو الانطوائي، تُصمم الفنادق مساحات تعزز الإحساس بالعزلة المريحة،
كغرفٍ ذات إضاءة دافئة، وأنظمة تحكم هادئة في الصوت والتهوية،
وممرات تقل فيها الحركة والضوضاء.
في هذا النوع من الضيافة، لا يكون الهدف هو “الترفيه”،
بل استعادة التوازن الداخلي بعد أيام السفر الطويلة.
بعض الفنادق في آسيا وأوروبا تقدم ما يُعرف بـ “Silent Service”،
حيث تُدار الإقامة دون حوارٍ مباشر،
فيُرحب بالضيف بإيماءة لطيفة،
وتُؤدى الخدمات من خلف الكواليس دون أي تدخلٍ لفظي.
إنها ضيافة تُخاطب النفس الهادئة التي ترى في الصمت نوعًا من الفخامة.
الشخصية الاجتماعية.. الضيافة كمنصة تفاعل
على العكس من ذلك، يجد النزلاء الاجتماعيون متعتهم في التواصل والتفاعل مع الآخرين.
لهؤلاء، تصمم الفنادق مساحات عامة نابضة بالحياة مثل المقاهي المفتوحة،
والصالات المشتركة التي تتيح المحادثة والمشاركة،
والأنشطة المسائية التي تشجعهم على تكوين صداقات جديدة.
وفي بعض العلامات الحديثة مثل Moxy وCitizenM،
يتحوّل اللوبي إلى “غرفة معيشة جماعية” حيث يُشجع الضيف على التفاعل عبر الألعاب أو الموسيقى أو ورش العمل الصغيرة.
فالفندق هنا لا يبيع غرفة فقط، بل يقدّم تجربة اجتماعية متكاملة تجعل الضيف جزءًا من مجتمع صغير يعيش اللحظة نفسها.
الشخصية العملية.. الكفاءة أولًا
هناك أيضًا النزيل العملي، الذي يسافر من أجل العمل أكثر مما يسافر للترفيه.
هذا النوع يقدّر الوقت والدقة أكثر من الزخرفة والرفاهية.
لهذا، تعيد الفنادق التجارية الحديثة مثل “كورتيارد باي ماريوت” و“نوفوتيل بزنس”
تصميم خدماتها لتكون سريعة وفعّالة — من تسجيل الدخول الذاتي إلى المكاتب الذكية داخل الغرف.
النزيل العملي لا يبحث عن الانبهار البصري،
بل عن نظام يُسهّل عليه الحياة، ينجز المهام ويمنحه وقتًا للراحة دون تعقيد.
ولهذا تُعدّ البساطة المنظمة هي أعلى درجات الرفاهية بالنسبة له.
الشخصية الباحثة عن التجربة
أما النزيل الفضولي أو الباحث عن التجارب الجديدة،
فهو النوع الذي يقيس جودة الفندق بعدد القصص التي سيحملها معه بعد المغادرة.
لهؤلاء، تصمم الفنادق تجارب فريدة مثل جلسات الطبخ المحلية، أو الرحلات القصيرة لاكتشاف التراث المحيط،
أو حتى استخدام الواقع الافتراضي لتجربة ثقافة المدينة قبل الخروج منها.
إنهم نزلاء يبحثون عن “تجربة تروى” لا مجرد إقامة تنتهي.
السعودية.. تنوّع الشخصية وتنوع الضيافة
في السوق السعودي المزدهر، تُظهر الفنادق الكبرى وعيًا متزايدًا بفهم أنماط شخصيات النزلاء المحليين والدوليين.
ففنادق مثل “العنوان مكة” و“روزوود جدة” و“فيرمونت الرياض”
تقدّم تجارب مختلفة جذريًا رغم اشتراكها في الفخامة،
فالأول يستهدف النزيل الباحث عن الروحانية والسكينة،
والثاني يخاطب رجال الأعمال الذين يقدّرون الدقة والانسيابية،
أما الثالث فيخاطب الشباب العصري الباحث عن التفاعل الذكي والمظهر العصري.
هذه القدرة على قراءة تنوّع الشخصيات هي ما جعل الضيافة السعودية أكثر مرونة وإنسانية في الوقت ذاته،
إذ تُدار الخدمة بمزيجٍ من الحس الثقافي والذكاء العاطفي،
لتجعل كل نزيل يشعر بأن الفندق بُني خصيصًا له.
ردهة فندقية حديثة بتصميم يعكس تفاعل الشخصيات المختلفة داخل بيئة واحدة متناغمة

نزيل يستخدم تطبيقًا ذكياً يخصص له التجربة بناءً على نوع شخصيته وتفضيلاته

مساحة فندقية هادئة مصممة خصيصًا للنزلاء الباحثين عن السكينة والتركيز

الذكاء الاصطناعي وفهم الشخصية
تُستخدم اليوم تقنيات التحليل السلوكي بالذكاء الاصطناعي لتصنيف النزلاء وفق “أنماط الشخصية الفندقية”.
يعتمد النظام على مراقبة تفاعل المستخدم مع الموقع الإلكتروني وطريقة الحجز:
هل يقضي وقتًا طويلاً في استعراض الصور أم يذهب مباشرة لجدول الأسعار؟
هل يطلب غرفة مطلة على المدينة أم يختار الطابق الأعلى بحثًا عن العزلة؟
هذه المؤشرات تُترجم إلى ملف رقمي ذكي يتيح للفندق تخصيص التجربة بالكامل قبل وصول النزيل فعليًا.
ووفق دراسة Hospitality AI Forum 2025،
فإن 63٪ من النزلاء يفضّلون الفنادق التي “تفهمهم دون شرح”،
ما يدل على أن التخصيص لم يعد ميزة إضافية بل توقعًا أساسيًا في صناعة الضيافة.
علم النفس كأداة فندقية
علم النفس اليوم أصبح جزءًا من التدريب الفندقي،
فالموظف لا يُدرّب على المهارة التقنية فقط، بل على الذكاء العاطفي.
تُعلَّم فرق الضيافة كيفية قراءة الملامح وتفسير لغة الجسد وفهم المزاج اللحظي للنزيل،
بحيث يستطيع الموظف تعديل سلوكه في اللحظة ذاتها بما يناسب شخصية الضيف.
هذه المرونة السلوكية هي ما يجعل الضيف يشعر أنه مفهوم دون أن يُسأل.
ففي النهاية، الضيافة هي حوارٌ غير منطوق بين إنسانٍ يبحث عن الراحة، وإنسانٍ يعرف كيف يمنحها.
س: ما المقصود بتخصيص التجربة وفق نوع الشخصية؟
ج: هو تصميم تجربة فندقية تتناسب مع أسلوب حياة النزيل وطريقته في التفاعل مع المكان والخدمة.
س: كيف تساعد التكنولوجيا في فهم الشخصية؟
ج: عبر تحليل سلوك الحجز واستخدام الخدمات الرقمية لتحديد النمط النفسي والاحتياجات العاطفية للنزيل.
س: هل يختلف ذلك حسب الثقافة؟
ج: نعم، فالثقافات المختلفة تحدد توقعات متنوعة حول الخصوصية والتفاعل والراحة،
ولذلك تُخصص التجربة بما ينسجم مع السياق الثقافي للنزيل.
س: كيف تطبّق السعودية هذا التوجه؟
ج: من خلال الدمج بين التكنولوجيا الحديثة والقيم الإنسانية للضيافة، لتقديم تجربة تحترم الفرد وتعبّر عن شخصيته.
اقرأ أيضًا: لماذا يشعر بعض النزلاء بالانتماء الفوري لفندق دون آخر؟





