الحد الأدنى أم التفاصيل الكثيفة.. مدارس الفخامة المتنافسة
إم إيه هوتيلز – خاص
بينما تتطور معايير الفخامة في عالم الفنادق، يتقاطع خطّان متوازيان لا يلتقيان إلا عند قمة الذوق الرفيع:
الأول يؤمن بأن الحد الأدنى من التصميم هو قمة الرقي، والثاني يرى أن التفاصيل الكثيفة هي سر الفخامة الحقيقية.
وبين هذين التيارين، تُعيد صناعة الضيافة العالمية تعريف الفخامة نفسها، ليس من خلال المواد أو الأسعار، بل من خلال الفلسفة التي تُترجم الراحة إلى أسلوب حياة.
في عالم 2025، لم يعد السؤال: ما هو الفندق الأفخم؟
بل: كيف تُترجَم الفخامة؟ بالبساطة أم بالثراء البصري؟
الفخامة الهادئة.. جمال المساحة الخالية
المدرسة الأولى تُعرف باسم Minimal Luxury، أو “الترف الصامت”، وهي فلسفة نشأت في اليابان وانتقلت إلى أوروبا وأميركا ثم إلى الشرق الأوسط.
هذه المدرسة تؤمن بأن الفخامة لا تكمن في الامتلاء، بل في الفراغ المحسوب، حيث تتحول المساحة الخالية إلى رمزٍ للراحة البصرية والنقاء الذهني.
في هذه الفنادق، لا شيء زائد عن الحاجة، ولا عنصر يعلو على الآخر.
الألوان محايدة، الإضاءة خافتة، الأثاث محدود لكن مصنوع بدقة حرفية عالية، والجو العام يُشبه الصمت الجميل الذي يُثير الطمأنينة.
فندق “Aman Kyoto” في اليابان هو أحد روّاد هذا التوجه؛ كل حجر وقطعة خشب فيه تبدو كأنها في مكانها الطبيعي.
لا تصرخ الفخامة هنا، بل تهمس، وتُترك للزائر حرية التأمل لا الانبهار السريع.
فلسفة التبسيط النفسي
في عالم مزدحم بالم stimuli الرقمية والضوضاء البصرية، أصبح “التقليل” علاجًا حسيًا.
دراسة من “Hospitality Design Trends 2025” تشير إلى أن 61٪ من المسافرين الفاخرين يفضلون الغرف التي تتميز بالبساطة والانفتاح لأنها تقلل من التوتر.
هنا تتحول الفخامة إلى مساحة للتنفس الذهني، حيث يُصبح الضوء الطبيعي والهواء جزءًا من التصميم، وتُستبدل الزخرفة بالإحساس.
حتى التكنولوجيا تُخفى خلف الجدران، لتعمل بصمت دون أن تُفسد صفاء المكان.
التفاصيل الكثيفة.. فخامة الحكايات المرئية
على الطرف الآخر، تقف مدرسة Maximal Luxury، أو “الفخامة الكثيفة”، التي ترى في التفاصيل روح الضيافة.
تؤمن هذه المدرسة بأن الفندق يجب أن يُشبه معرضًا فنيًا حيًّا، تُحكى فيه قصة عبر كل لوحة وزخرفة وسجاد وثريا.
هنا تفيض الألوان بالحياة، تمتزج المعادن بالأقمشة، ويُصبح كل جزء من المكان مشهدًا من رواية فنية متكاملة.
فنادق مثل “The Ritz Paris” و“Burj Al Arab” و“Emirates Palace Mandarin Oriental” تجسد هذا النمط الذي يضع الدهشة البصرية في صميم التجربة.
فيها الفخامة تُعلن عن نفسها بوضوح، لكنها لا تفقد الذوق، بل تحتفي بالتاريخ والرمز والهوية.
التصميم كعرض مسرحي
تقول المصممة الإيطالية “ليزا بونتي”:
“الفندق ليس مكان إقامة، بل مسرح عاطفي. بعض الناس يريدون الصمت، وآخرون يريدون عرضًا كاملاً.”
في هذه المدرسة، الفخامة ليست هدوءًا، بل احتفالًا بالامتلاء.
كل تفصيلة لها هدف في إثارة الحواس: الزخارف الشرقية على الجدران، الستائر المخملية، الألوان الملكية، الأثاث المنحوت، وحتى العطر الفندقي المدروس.
وهنا تكمن المفارقة؛ فبينما يرى البعض أن التفاصيل الكثيفة مرهقة، يراها آخرون علاجًا بالدهشة.
بين المدرستين.. المسافر هو الحكم
المسافر المعاصر أصبح أكثر وعيًا بذاته.
هو لا يبحث عن فندق فاخر فحسب، بل عن نمط نفسي يناسب حالته.
ولهذا، تتجه الفنادق العالمية اليوم إلى الدمج الذكي بين المدرستين:
أن تُقدّم البساطة في الشكل، والغنى في التفاصيل الخفية.
في “Four Seasons Bangkok”، تُوظّف المساحات الواسعة بتصميم بسيط، لكن كل قطعة ديكور تحمل قصة عن الثقافة التايلاندية.
وفي “Habitas AlUla”، تتجلى الفخامة في الهدوء، لكن تحت كل سطح بسيط تقبع دقة هندسية وفنية مذهلة.
إنها الفخامة المتوازنة التي تُدعى Silent Sophistication – الرقي الصامت المليء بالتفاصيل اللامرئية.
التحول السعودي.. توازن بين الترفين
في المملكة العربية السعودية، تتلاقى المدرستان بأسلوب فريد يجمع بين الأصالة والحداثة.
فمشاريع مثل نيوم ومشروع البحر الأحمر وأمالا والدرعية تُجسّد رؤية معمارية تُعيد تعريف الفخامة السعودية، لا من خلال الزخرفة أو البساطة فقط، بل من خلال الهوية الثقافية الهادئة.
فندق “فورسيزونز الدرعية” القادم مثلاً، يعكس فلسفة “الترف الثقافي”، حيث تمتزج اللمسات التراثية بالخطوط العصرية، ليشعر الزائر أن الفخامة ليست مفروضة، بل نابعة من المكان نفسه.
في المقابل، تعتمد فنادق مثل “شانغريلا جدة” و“فيرمونت الرياض” أسلوب التفاصيل الغنية لإبراز روح الضيافة العربية الفاخرة، دون المبالغة في البهرجة.
وهكذا، تخلق المملكة نموذجًا ثالثًا في عالم الفخامة: توازن الحد الأدنى مع الامتلاء المدروس.
ردهة فندقية فاخرة بتصميم هادئ يعكس فلسفة الترف الخفي

غرفة فندقية أنيقة تجمع بين الألوان الهادئة والتفاصيل الفنية الراقية

منتجع فاخر سعودي يدمج البساطة المعمارية مع الدقة الحسية في التفاصيل

الفخامة كحالة شعورية
الفخامة ليست مادة أو زخرفة، بل شعور متكامل.
قد تشعر بها في غرفة بيضاء فارغة أو في قصر ذهبي مزخرف، طالما أن التصميم يخاطب حواسك ويحقق التوازن النفسي.
المدرسة الأولى تُخاطب الباحثين عن السكون الداخلي، والثانية تُلبي رغبة أولئك الذين يجدون في التفاصيل متعة بصرية تغذي الذاكرة.
لكن كليهما يلتقيان في غاية واحدة: صناعة تجربة لا تُنسى.
س: ما الفرق بين الفخامة البسيطة والفخامة الغنية بالتفاصيل؟
ج: الفخامة البسيطة تقوم على الصفاء البصري والهدوء، بينما تعتمد الفخامة الغنية على كثافة التفاصيل وإبراز الرموز والهوية الثقافية.
س: أيّ المدرستين يفضلها النزلاء اليوم؟
ج: تشير الدراسات إلى أن 55٪ من النزلاء يميلون إلى الفخامة البسيطة في السفر الطويل، بينما يفضل 45٪ الفخامة الكثيفة في الإجازات القصيرة.
س: كيف توازن الفنادق بين الاتجاهين؟
ج: من خلال تصميمات “الرقي الصامت” التي توظف البساطة في الشكل، والتفاصيل الدقيقة في العمق دون مبالغة.
س: ما موقع السعودية في هذا المشهد؟
ج: تتصدر المملكة التوجه الإقليمي نحو الفخامة المتوازنة، عبر مشاريع تجمع بين الحداثة والهوية المحلية ضمن رؤية 2030.
اقرأ أيضًا: من الهندسة إلى الإحساس.. علم نفس التصميم الفندقي





