عمره أكثر من 30 عامًا.. ما قصة “الفندق العائم” الأسطوري الذي أكله الصدأ في كوريا الشمالية 2134507654326
كان ذات يوم منتجعًا مصنّفًا بنجوم خمسة، ويطفو مباشرة فوق الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا. لكنّه أصبح في أيامنا هذه خربة منسيّة في أحد موانئ كوريا الشمالية، الذي يبعد 20 دقيقة بالسيارة من المنطقة المحظورة المنزوعة السلاح، بين الكوريتين.
إنها المحطة الأخيرة لمسار غريب من نوعه، طوله 16093 كيلومترًا، اختبره أوّل فندق عائم في العالم، تميّز بجولاته المروحيّة الرائعة ومطبخه الراقي، منذ انطلاقته قبل أكثر من 30 عامًا. غير أنّ نهايته مأساويّة، حيث تواجه هذه السفينة التي غزاها الصدأ بعدما عاشت ماضيًا ملونًا، مصيرًا غير مؤكّد بعدما وضع رسميًّا في خانة “الهدم”.
ليلة في الشعاب المرجانية
كانت فكرة دوغ تاركا، الغطّاس المحترف ورجل الأعمال الإيطالي المنشأ، الذي يعيش في مدينة تاونسفيل على الساحل الشمالي الشرقي لولاية كوينزلاند الأسترالية، بتشييد هذا الفندق العائم.
وقال روبرت دو جونغ، أمين متحف تاونسفيل البحري “Townsville Maritime Museum”: “كان لديه الكثير من الحب والتقدير للحاجز المرجاني العظيم”.
في 1983، أنشأ تاركا شركة “Reef Link”، لنقل هواة الرحلات البحرية النهارية في زورق من تاونسفيل إلى أحد مواطن الشعاب المرجانية قبالة الساحل.
وأضاف:”لكن ما لبث أن قال: انتظر. ماذا عن جعل الناس تمضي الليل فوق الشعاب المرجانية”؟
فكّر بداية بإرساء سفن سياحية قديمة على نحو دائم قرب الشعاب المرجانية، لكنه اكتشف أنّ تصميم وبناء فندق عائم سيكون أقل كلفة وأكثر ملاءمة للبيئة. بدأت عملية البناء في 1986، داخل حوض “بيت لحم” لبناء السفن في سنغافورة، وهي شركة تابعة لشركة فولاذ أمريكية كبيرة، لم يعد لها أثر اليوم.
قُدّرت كلفة بناء الفندق بنحو 45 مليون دولار، أي ما يوازي أكثر من 100 مليون دولار حاليًا. وتم نقله بواسطة سفينة رفع عملاقة إلى John Brewer Reef، الموقع الذي اختاره داخل منتزه الحاجز المرجاني البحري العظيم “Great Barrier Reef Marine Park”.
ووصف دو جونغ الفندق بأنه: “شعاب مرجانية على شكل حدوة حصان، تتوسّطه مياه هادئة، مثالية جدًا لفندق عائم”.
تم تثبيت الفندق في قاع المحيط من خلال استخدام سبع مراس ضخمة، وضعت على نحو لا يلحق الضرر بالشعاب المرجانية. لم تضخ مياه الصرف الصحي في البحر، بل كان يعاد تدويرها، أما القمامة فكانت تنقل إلى موقع على اليابسة، من أجل الحد من الأثر البيئي للفندق.
افتتح في 9 مارس/ آذار 1988، تحت اسم “Four Seasons Barrier Reef Resort”.
وأوضح دو جونغ: “كان فندق خمس نجوم وكان باهظًا”، مشيرًا إلى أنه “كان يحتوي على 176 غرفة، ويستقبل 350 ضيف. ويضمّ ملهى ليليًا، ومطعمين، ومختبري أبحاث، ومكتبة، ومتجر يمكنك شراء معدات الغوص منه. وفيه أيضًا ملعب تنس، رغم اعتقادي بأنّ معظم الطابات انتهى بها الأمر في المحيط الهادئ”.
زجاجة ويسكي
كي تصل إلى الفندق، إمّا تركب زورقًا سريعًا لمدة ساعتين، أو مروحية للوصول بسرعة، لكنّ كلفتها أعلى، إذ تقدّر وفق التضخم، بـ350 دولارًا لكل رحلة ذهابًا وإيابًا.
وقد أثار هذه المنشأة الحديثة ضجة كبيرة بداية، وكان الفندق بمثابة حلم للغواصين. حتى الناس العاديون يمكنهم الاستمتاع بمناظر الشعاب المرجانية الرائعة، من خلال ركوب غواصة خاصة أُسميت “The Yellow Submarine”.
لكن سرعان ما تبدّى أثر سوء الأحوال الجوية على الضيوف، وهذا أمر لم يؤخذ كثيرًا في الاعتبار.
وقال دو جونغ: “إذا كان الطقس قاسيًا، وعليك العودة إلى المدينة للإلتحاق بطائرة، فلن تتمكن المروحية من الطيران ولا القارب من الإبحار، الأمر الذي تسبّب بالكثير من الضرر”.
شغل طاقم الفندق الطبقة العلوية، وهي المكان غير مرغوب النزول فيها داخل فندق عائم لأنها الأكثر تأثرًا بتأرجحه. وفقًا لدو جونغ، علّق الموظفون زجاجة ويسكي فارغة في السقف لقياس مدى هيجان البحر، فعندما تبدأ بالتأرجح على نحو كبير، يعلمون أنّ ضيوفًا كثر سيصابون بدوار البحر.
وعلّق: “ربما هذا الأمر هو أحد الأسباب التي تجعل الفندق يحقّق نجاحًا تجاريًا فعليًا”.
كما واجه الفندق مشاكل أخرى، حيث ضرب إعصار الهيكل قبل أسبوع واحد فقط على افتتاحه، أدّى إلى تدمير حوض السباحة الذي كان جزءًا من الفندق على نحو تعذّر إصلاحها.
كما تمّ العثور على مستودع للذخيرة من مخلفات الحرب العالمية الثانية يبعد ثلاث كيلومترات من الفندق، الأمر الذي أخاف بعض الزبائن. بالإضافة إلى أنه لم يكن هناك الكثير من الأنشطة للقيام بها إلى جانب الغطس.
بعد مرور عام واحد على انطلاقه، باتت الكلفة التشغيلية لمنتجع “فور سيزنز” عالية جدًا، فأغلق أبوابه من دون أن يبلغ السعة القصوى له.
وأشار دو جونغ إلى أنّ نجمه “خفت بهدوء، وبيع لشركة في مدينة هو تشي مينه في فيتنام، التي كانت تتطلّع إلى جذب السيّاح”.
وهكذا بدأ الفندق العائم رحلته الثانية شمالًا عام 1989، حيث قطع مسافة 5471 كيلومترًا. وأطلق عليه اسم فندق سايغون، كن يُعرف أكثر بـ”العائم”، حيث رسا في نهر سايغون قرابة عشر سنوات.
وقال دو جونغ: “حقّق نجاحًا كبيرًا، ومرد ذلك على ما أعتقد إلى أنه لم يكن وسط اللامكان، بل على واجهة بحرية. كان عائمًا ومتصلاً باليابسة في آن” واحد.
رغم ذلك، خفت وهج “العائم” واستنزف ماديًا فأغلق أبوابه مجدّدًا عام 1998. لكن بدلاً من تفكيكه، أعطته كوريا الشمالية فرصة حياة غير متوقعة، حيث اشترته لجذب السياح إلى جبل كومغانغ، الذي يتمتّع بمناظر خلابة على مقربة من الحدود مع كوريا الجنوبية.
وقال دو جونغ: “في تلك المرحلة، سعت الكوريتان إلى مدّ جسور بينهما، وكانت هناك علاقات ديبلوماسية بينهما. لكن العديد من الفنادق في كوريا الشمالية لم تكن صديقة للسيّاح”.
بعد رحلة أخرى بطول 4506 كيلومترًا، بدا الفندق العائم جاهزًا لمغامرته الثالثة مع اسم جديد فندق “هايغومغانع”، الذي افتتحته شركة كورية جنوبية “Hyundai Asan” في أكتوبر/ تشرين الأول 2000، التي قامت أيضًا بتشغيل مرافق أخرى في المنطقة وقدمت حزمًا للسياح الكوريين الجنوبيين.
وقد جذبت منطقة جبل كومغانغ أكثر من مليوني سائح على مرّ السنوات، بحسب بارك سونغ-أوك المتحدّث باسم شركة “هيونداي آسان”.
وشرح سونغ-أوك أنّ “جولة جبل كومغانغ حسّن عملية المصالحة بين الكوريتين، فكانت بمثابة نقطة محورية للتبادل بينهما أيضًا، كمركز للمّ شمل العائلات المنفصلة من تخفيف الأحزان الناجمة عن الانقسام الوطني”.
المأساة
في عام 2008، أطلق جندي من كوريا الشمالية النار على امرأة من كوريا الجنوبية في الـ53 من عمرها وقتلها. فقد تخطت خلال تجوالها حدود منطقة جبل كومغانغ السياحية، ودخلت إلى منطقة عسكرية. عقب ذلك علّقت Hyundai Asan جميع جولاتها السياحية، ولحق هذا المصير بالتوازي، فندق هايغومغانغ.
ليس واضحًا إن تمّ تشغيل الفندق منذ ذلك الحين، لكن ما هو مؤكد أنّه لم يستقبل سيّاحًا من كوريا الجنوبية.
حول هذا الأمر، قال دو جونغ إنّ “المعلومات المتوافرة غامضة، وأعتقد أنّ الفندق كان يستقبل أعضاء الحزب الحاكم في كوريا الشمالية فقط”. ففي الإمكان رؤية الفندق راسيًا على رصيف منطقة جبل كومغانغ عبر خرائط “غوغل”، ولو أنّ الصدأ تآكله.
عام 2019، زار الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-أون، منطقة جبل كومغانغ السياحية، وانتقد العديد من المرافق هناك، بينها فندق هايغومغانغ لواقعه الرديء؛ وأمر بهدم العديد منها كجزء من خطة لإعادة تصميم المنطقة بحيث تكون أكثر اتساقًا مع ثقافة كوريا الشمالية.
بعدها، مع انتشار الجائحة تمّ تعليق كل الخطط. وحتى الآن من غير الواضح إن كانت الخطة لهدم كل شيء ستدخل حيّز التنفيذ قريبًا أو تمّ العدول عنها.
في هذه الأثناء، يكسب هذا الفندق العائم أيامًا إضافية، لا سيّما أنّ أسطورته ما زالت قائمة. من المحتمل أن تستمر فرادة هذا الفندق لا سيّما أن فكرة الفنادق العائمة لم تنتشر كثيرًا.
وبمعنى آخر، قال دو جونغ إن “المحيط مليء بالفنادق العائمة، لكن يطلق عليها سفن الرحلات البحرية”.