- الرئيسية
- أخبار وملفات
- تجارب الفنادق التي لا تُعلن عن نفسها.. التسويق بالندرة
تجارب الفنادق التي لا تُعلن عن نفسها.. التسويق بالندرة
إم إيه هوتيلز – خاص
في زمنٍ تغمر فيه الإعلانات الشاشات والمحتوى المدفوع يتصدّر كل منصّة،
ظهر اتجاه جديد في صناعة الضيافة يقوم على الصمت التسويقي والجاذبية بالغياب.
إنه نموذج “الفنادق التي لا تُعلن عن نفسها” —
فنادق لا تملك حملات ترويجية صاخبة، ولا تملأ وسائل التواصل بصورها،
لكنها تكتسب جمهورها ببطء وثقة، عبر تجربة لا تُنسى تنتقل همسًا بين من عاشوها بالفعل.
إنها ليست صدفة، بل استراتيجية متعمّدة تُعرف باسم التسويق بالندرة (Scarcity Marketing)،
حيث تُحوَّل قلة الظهور إلى قيمة، ويصبح الغموض أداة تسويقية أقوى من ألف إعلان.
من الترويج إلى “الكتمان المقصود”
في عالمٍ تحكمه الخوارزميات والبيانات الضخمة،
أصبح الظهور الدائم سلاحًا ذا حدين.
فكلما ازدادت الإعلانات تكرارًا، تراجعت الثقة في مصداقيتها.
هنا ظهر نوع جديد من الفنادق التي اختارت أن تُرى عبر من عاشها لا عبر من شاهدها.
لا تضع هذه الفنادق لوحات ضخمة على الطرق،
ولا تشارك صورًا يومية على الشبكات،
بل تعتمد على التوصية الشخصية والتجربة الخفية التي تخلق هالة من الفضول والندرة حولها.
فما إن يُذكر اسمها في حوارٍ خاص بين المسافرين،
حتى تُصبح الوجهة التالية لمن يبحث عن تجرِبة “نادرة وغير مكررة”.
التسويق بالغياب.. فلسفة لا صدفة
هذه الاستراتيجية ليست عشوائية، بل تقوم على مبدأ نفسي معروف في التسويق السلوكي،
هو أن الإنسان ينجذب لما يصعب الوصول إليه.
في علم السلوك يُعرف ذلك باسم “تأثير الندرة (Scarcity Effect)”،
حيث تُفسَّر الندرة باعتبارها دليلاً على الجودة أو التفرد.
الفندق الذي لا يعلن عن نفسه يوحي ضمنيًا بأنه لا يحتاج لذلك،
وكأن التجربة تتحدث عنه بما يكفي،
فمن يزوره يشعر بأنه “اكتشف” مكانًا سريًا لا يعرفه الآخرون —
وذلك بحد ذاته يولّد ولاءً قويًا يفوق أي حملةٍ ترويجية.
من “فنادق الأيقونات” إلى “فنادق الأسرار”
في تسعينيات القرن الماضي،
كانت العلامات الفندقية الكبرى مثل “ريتز كارلتون” و“فورسيزونز”
تتباهى بالإعلانات والتغطيات الإعلامية المستمرة.
أما اليوم، فظهرت موجة من الفنادق المستقلة والمفاهيمية
التي ترفض الصخب التسويقي وتختار الصمت كعلامة تميّز.
فندق “The Chedi” في سويسرا مثلًا،
لا يروّج لنفسه على الإنترنت إلا عبر موقع بسيط بلا صور مبهرة،
لكن نسبة الإشغال فيه تتجاوز 95٪ على مدار العام.
وفي اليابان، تتبع سلسلة “Hoshinoya” الفاخرة نفس النهج،
حيث لا يُسمح للضيوف بنشر صور بعض المرافق احترامًا لخصوصية التجربة.
هذه الفنادق تُعامل التجربة نفسها كتحفةٍ فنية لا تُعرض إلا لمن يستحق رؤيتها،
فتتحول الإقامة إلى نوعٍ من “الانتماء الهادئ” بدلًا من الاستهلاك العابر.
مدخل فندق فخم خالٍ من اللافتات، يرمز إلى فلسفة الندرة والغموض

نزيل يكتشف ردهة مضاءة بإضاءة خافتة في فندق هادئ بعيد عن الأعين

غرفة فندقية بتصميم بسيط دون رموز تجارية واضحة، تعكس فخامة خفية

السعودية.. التجربة تتكلم بدل الإعلان
في المملكة العربية السعودية،
بدأت بعض مشاريع الضيافة الفاخرة ضمن رؤية 2030
تتبنّى هذا الاتجاه الهادئ في التسويق،
خاصة في الوجهات التي تعتمد على “القيمة التجريبية” لا على الحشود.
في العلا مثلًا، تُقدَّم تجربة الإقامة في بعض المنتجعات تحت مبدأ “الاختيار المسبق”،
حيث لا يمكن الحجز إلا عبر توصيةٍ مباشرة أو بعد تسجيلٍ خاص في منصة محددة.
أما في مشروع البحر الأحمر،
فقد صُممت بعض الفنادق لتخاطب جمهورًا محددًا من محبي العزلة والرفاهية الذهنية،
ويُروّج لها عبر الشبكات المغلقة والمجلات المتخصصة فقط،
لتحتفظ بسحر “الندرة” الذي يمنحها جاذبية لا يمكن تكرارها.
بهذه الطريقة، تخلق الضيافة السعودية علامة فاخرة بالصمت،
تعتمد على التجربة كمصدر تسويق ذاتي مستدام.
عندما يصبح الغموض هو الرسالة
في عالم التسويق الحديث،
تتجاوز الندرة مجرد قلة الظهور لتصبح استراتيجية سردية.
فالفندق الذي لا يكشف كل تفاصيله يمنح خيالك مساحةً ليكمل الصورة،
والنزيل نفسه يصبح الراوي الذي ينقل التجربة عبر قصصه الخاصة.
ولهذا السبب، تركز هذه الفنادق على بناء تجربة غنية بالمعاني
— رائحة مميزة، موسيقى غير متاحة في العلن، خدمة شخصية تمامًا —
بحيث يخرج الضيف وهو يشعر أنه عاش شيئًا فريدًا لا يمكن نقله بالكلمات.
الندرة هنا ليست نقصًا، بل عنصر جمالي يشبه الصمت في الموسيقى،
حيث الفراغ يصبح جزءًا من اللحن.
التسويق الهادئ في عصر الإفراط
بينما تتسابق العلامات التجارية لزيادة تواجدها عبر الإعلانات الممولة،
اختارت “الفنادق الندرة” أن تسبح عكس التيار.
فهي تدرك أن الضجيج يفقد تأثيره حين يصبح القاعدة،
وأن الغموض وحده ما يثير الفضول الحقيقي.
في دراسة صادرة عن Luxury Institute 2025،
أكدت أن 61٪ من العملاء ذوي الدخل المرتفع يفضلون العلامات التي “تُكتشف” ولا تُفرض عليهم.
وبينما يُنفق البعض ملايين الدولارات على الحملات الرقمية،
تستثمر هذه الفنادق في التجربة نفسها لتكون هي الرسالة.
تجربة ما بعد الإعلان
في فلسفة “التسويق بالندرة”،
لا يُقاس النجاح بعدد المشاهدات أو النقرات،
بل بعدد الحكايات التي يرويها النزلاء عن المكان بعد مغادرتهم.
فالضيف هنا ليس مستهلكًا بل سفيرًا للتجربة،
وكل توصية شخصية تُعادل حملة رقمية كاملة في قيمتها.
تقول إحدى مديرات الفنادق المستقلة في لندن:
“لا نبحث عن جمهور، بل ننتظر من يكتشفنا.”
إنها عقلية مضادة للتسويق الكمي،
تركز على بناء علاقاتٍ بطيئة، عميقة، وشخصية مع جمهورٍ محددٍ لكنه وفيّ للغاية.
السعودية والعلامة الخفية
تسعى العلامات الفندقية السعودية الجديدة إلى تطبيق فلسفة “الندرة الذكية”،
بحيث تُعرف الفنادق الراقية ليس عبر كثرة منشوراتها،
بل عبر خصوصية أسلوبها في استقبال النزلاء،
من الإضاءة الدافئة في اللوبي إلى الخط اليدوي على بطاقة الترحيب.
في منتجع شادن بالعلا،
تُستخدم هذه اللمسات الهادئة كوسيلة تسويقٍ عاطفي أكثر فاعلية من أي حملةٍ رقمية،
بينما يعتمد منتجع أمالا الصحي على “التجربة الصامتة” كمحورٍ تسويقي،
حيث يُمنح الضيف إحساس الاكتشاف الشخصي بدل التلقي الإعلاني.
وهكذا، تتجه الضيافة السعودية إلى خلق سوقٍ قائمٍ على المعنى لا الكمية،
تجعل من كل نزيل شريكًا في الحكاية لا مجرد رقمٍ في الإحصاءات.
من الندرة إلى الولاء
الغريب أن الفنادق التي لا تعلن كثيرًا تبني ولاءً أقوى من غيرها،
لأن النزيل يشعر أنه ينتمي إلى دائرةٍ صغيرةٍ من “المطلعين”،
تمامًا كما يشعر العضو في نادٍ خاص بأنه جزء من عالمٍ مغلق لا يمكن شراؤه بالمال فقط.
هذا الولاء لا يُشترى، بل يُكتسب عبر تجربةٍ صادقة ومحدودة الوصول.
وهكذا، تتحول قلة الظهور إلى وعدٍ خفي،
كلما قلّ الكلام، زاد الشوق.
س: ما المقصود بالتسويق بالندرة في الفنادق؟
ج: هو أسلوب تسويقي يعتمد على الظهور المحدود والغموض المقصود لخلق جاذبية قائمة على الفضول والتجربة الحصرية.
س: لماذا تلجأ بعض الفنادق لعدم الإعلان؟
ج: لأن الاعتماد على التوصية الشخصية والتجربة الواقعية يخلق ولاءً أقوى وتأثيرًا أعمق من الإعلانات المباشرة.
س: كيف تطبق السعودية هذا الاتجاه؟
ج: عبر مشاريع العلا والبحر الأحمر التي تروّج للصمت والخصوصية كجزء من هوية الضيافة الفاخرة.
س: هل يناسب التسويق بالندرة كل أنواع الفنادق؟
ج: لا، بل يناسب العلامات الفاخرة والمستقلة التي تراهن على التجربة لا على الانتشار الجماهيري.
اقرأ أيضًا: مفهوم “الفندق المتنقل”.. هل تصبح الضيافة بلا عنوان؟





