تجربة “الضوء الطبيعي”.. كيف تغير الإضاءة المزاج وتؤثر على رضا النزيل؟
إم إيه هوتيلز – خاص
من بين جميع عناصر التصميم الفندقي، يظل الضوء هو الأكثر خفاءً وتأثيرًا في آن واحد.
فهو لا يزيّن المكان فقط، بل يوجّه الإحساس ويشكّل الحالة المزاجية للنزيل من لحظة دخوله الغرفة حتى مغادرته.
وقد اكتشفت الفنادق الحديثة أن الضوء ليس مجرد مسألة جمالية، بل تجربة عاطفية وحسية عميقة تؤثر مباشرة على الراحة النفسية، جودة النوم، ورضا الضيوف.
ولهذا أصبح مفهوم “الضوء الطبيعي” ركيزة جديدة في تصميم الفنادق الذكية حول العالم، إذ يُنظر إليه كعنصر علاجي يربط الإنسان بالزمن والمكان، ويعيد التوازن بين الجسد والإيقاع الحيوي للنهار والليل.
من الإنارة إلى الإحساس
في السابق، كانت الإضاءة داخل الفنادق تعتمد على المصابيح الاصطناعية الموجهة التي تضيء المكان دون مراعاة تأثيرها على العين والدماغ.
لكن الأبحاث الحديثة في علم الأعصاب كشفت أن الضوء الطبيعي — أو ما يُعرف بالإضاءة البيولوجية — ينظّم إفراز الهرمونات ويؤثر على المزاج والانتباه والنوم.
فالضوء الأزرق مثلًا يعزز النشاط في الصباح، بينما الضوء الدافئ في المساء يساعد على الاسترخاء.
ولهذا السبب، انتقلت الفنادق من التفكير في “شدة الضوء” إلى تصميم “تجربة الضوء”، بحيث تتبدّل الألوان والحرارة الضوئية طوال اليوم لتتماشى مع الساعة البيولوجية للنزيل.
النوافذ كمنصّات للعافية
تتحول النوافذ في الفنادق الحديثة من مجرد فتحة للتهوية إلى وسيلة علاج طبيعي.
فهي تتيح دخول ضوء الشمس الذي يحفّز إفراز السيروتونين، المسؤول عن السعادة والراحة النفسية.
ولهذا تتعمّد سلاسل مثل “Marriott” و“Accor” تصميم نوافذ بانورامية كبيرة تسمح بتدفق الضوء الطبيعي في ساعات النهار، مع استخدام ستائر شفافة لتوزيعه بلطف.
وفي المساء، تُغلق الستائر الذكية تلقائيًا للحفاظ على الهدوء والخصوصية، دون أن تفقد الغرفة إحساسها بالدفء.
الدراسات الحديثة تشير إلى أن الغرف التي تتلقى ضوءًا طبيعيًا كافيًا تسجّل رضا نزلاء أعلى بنسبة 35% مقارنة بالغرف المغلقة.
السعودية.. الضوء كجزء من هوية المكان
في مشاريع الضيافة السعودية الحديثة مثل “العلا”، “البحر الأحمر”، و“الدرعية”، أصبح الضوء الطبيعي جزءًا من الهوية التصميمية.
فالمعماريون السعوديون يستلهمون الإضاءة من بيئة الصحراء، حيث يتغيّر الضوء طوال اليوم ببطء ساحر، يعكس دفء الرمال وهدوء الغروب.
فنادق مثل “شذا المدينة” و“فيرمونت الرياض” صممت نوافذها بحيث تلتقط الضوء دون حرارة، وتسمح بتجربة هادئة لا ترهق العين.
أما في منتجعات “نيوم”، فقد تم تطوير أنظمة إضاءة ذكية تحاكي ضوء الشمس الحقيقي في الغرف الداخلية، مما يمنح النزلاء شعورًا بأنهم يعيشون في الطبيعة حتى داخل المباني المغلقة.
إنها الضيافة السعودية الجديدة التي تمزج بين الابتكار والهدوء الروحي.
غرفة فندقية غارقة في الضوء الطبيعي الناعم تعزز شعور الراحة والانفتاح

ردهة فندقية بتصميم يعتمد على الإضاءة الطبيعية والظلال لتحقيق التوازن البصري

إضاءة صباحية تنساب عبر النوافذ الرحبة لتمنح النزلاء طاقة إيجابية منذ بداية اليوم

الضوء كوسيلة للتهدئة النفسية
يرتبط الضوء ارتباطًا وثيقًا بعلم النفس.
فالإضاءة القوية والمباشرة قد تخلق توترًا غير محسوس، بينما الإضاءة المنتشرة والدافئة تزرع الطمأنينة.
ولذلك تحرص الفنادق الفاخرة على توفير أكثر من مصدر ضوء داخل الغرفة — من المصابيح الجانبية إلى الإضاءة المخفية — لتمنح النزيل حرية اختيار الجو المزاجي الذي يناسبه.
كما أن التحكم الذكي بالإضاءة من خلال التطبيقات أصبح جزءًا من تجربة الضيافة الحديثة، حيث يستطيع النزيل ضبط الإضاءة “للمطالعة” أو “للاسترخاء” أو “للنوم” بنقرة واحدة.
بهذا الشكل، تتحول الإضاءة إلى لغة عاطفية صامتة بين الفندق والنزيل.
من الإحساس البصري إلى الذاكرة العاطفية
الضوء الطبيعي لا يضيء المكان فقط، بل يخلق الذكريات.
النزلاء يتذكرون الغرف التي استقبلتهم بأشعة الصباح أكثر مما يتذكرون التصميم نفسه.
ولهذا تستخدم الفنادق الإضاءة لتشكيل انطباع أول إيجابي يبقى في الذاكرة.
فحين تفتح الغرفة على منظر مضاء طبيعيًا، يشعر النزيل بأن اليوم بدأ بلطف، فينشأ ارتباط عاطفي بالمكان.
هذا الشعور البسيط — الذي لا يمكن قياسه رقميًا — هو ما يجعل الفنادق تتفوق في المنافسة على رضا النزلاء.
التكنولوجيا تعيد إنتاج ضوء الطبيعة
الضوء الطبيعي لا يمكن التحكم فيه دائمًا، خصوصًا في المدن المزدحمة أو المناطق ذات المناخ الحار.
لكن التكنولوجيا وفّرت حلولًا مبهرة عبر أنظمة “Human Centric Lighting”، التي تُعيد إنتاج أطياف الضوء الطبيعي داخل الغرف المغلقة.
هذه الأنظمة تتغيّر ألوانها تلقائيًا بحسب الوقت من اليوم، فتحاكي شروق الشمس وغيابها لتضبط الساعة البيولوجية للجسم.
في فنادق “IHG” و“Hyatt”، تُستخدم هذه التقنية في غرف النوم وقاعات المؤتمرات لزيادة النشاط صباحًا وتقليل التوتر مساءً.
وبهذا، يصبح الضوء علاجًا غير مرئي يمنح الضيف راحة دون وعي مباشر.
تجربة الضوء كعنصر تسويقي
بدأت بعض الفنادق تروّج لتجربة الضوء كميزة فريدة.
فنادق “Scandic” في أوروبا تستخدم شعار “Sleep in the Light”، في إشارة إلى غرفها المزودة بإضاءة تحاكي الطبيعة.
أما “Four Seasons” فتقدم خيار “Sunlight Room” للنزلاء الباحثين عن إقامة تنعش المزاج.
حتى التصوير الفوتوغرافي للفنادق تغيّر: لم يعد يركّز على الأثاث أو الرفاهية، بل على الدفء الضوئي الذي يملأ الصورة.
إنها لغة جديدة في التسويق الفندقي: بيع الراحة عبر الضوء، لا عبر الزخارف.
السعودية تقود مفهوم “الضوء الذكي”
ضمن مبادرات التطوير المستدام، بدأت الفنادق السعودية تستخدم أنظمة إضاءة موفرة للطاقة تُعيد توزيع الضوء الطبيعي بدلًا من إلغائه.
فنادق “العلا” مثلًا تستخدم واجهات حجرية تعكس الضوء بدلًا من امتصاصه، مما يخفض الحرارة ويزيد الإضاءة الطبيعية بنسبة 40%.
وفي فنادق “القدية”، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لضبط الإضاءة في الردهات العامة حسب كثافة الحركة البشرية، فتُضاء المساحات تدريجيًا مع دخول النزلاء، في تجربة تجمع بين الاستدامة والجمال.
بهذا، تتحول الإضاءة إلى تجربة إدراكية كاملة تُعيد التوازن بين البيئة والإنسان.
الضوء كجسر بين العلم والعاطفة
الضوء الطبيعي ليس تفصيلًا تقنيًا، بل لغة تتحدث إلى العقل الباطن.
فهو يُذكّر الإنسان بدورة الحياة، ويُعيده إلى إيقاع الأرض بعيدًا عن الشاشات والإضاءة الاصطناعية.
في عالم الفنادق، يصبح الضوء وسيلة لإبطاء الإيقاع السريع، لإتاحة مساحة للهدوء والتأمل، ولتحقيق نوع من الانسجام الداخلي الذي يُعرّف الرفاهية الحقيقية.
إنها فلسفة جديدة في الضيافة تقول: الرفاهية ليست في كثرة الأضواء، بل في صفاء الضوء.
س: ما المقصود بتجربة الضوء الطبيعي في الفنادق؟
ج: هي تصميم الإضاءة بحيث تحاكي ضوء الشمس الطبيعي وتنسجم مع الإيقاع البيولوجي للجسم لتعزيز الراحة والمزاج.
س: كيف يؤثر الضوء على رضا النزلاء؟
ج: لأنه ينظّم الهرمونات ويؤثر على المزاج وجودة النوم، مما يجعل التجربة أكثر هدوءًا وتوازنًا.
س: ما دور السعودية في هذا المجال؟
ج: تقود مشاريع تجمع بين الإضاءة الطبيعية والتكنولوجيا الذكية لتحقيق رفاهية مستدامة تراعي البيئة والمشاعر الإنسانية.
س: ما مستقبل الإضاءة في الفنادق؟
ج: الانتقال من الإضاءة الوظيفية إلى الإضاءة العاطفية التي تخاطب النفس وتصبح عنصرًا من عناصر العافية الشاملة.
اقرأ أيضًا: النوم كمنتج.. لماذا تتنافس الفنادق عالميًا على “أفضل تجربة نوم”؟





