دور الملمس في الرفاهية.. كيف تصنع المفروشات شعورًا بالفخامة؟
إم إيه هوتيلز – خاص
عندما يدخل النزيل إلى غرفة الفندق، أول ما يلمسه ليس الجمال البصري بل الإحساس الحسي المادي: ملمس الملاءات، نعومة المناشف، برودة الرخام، أو دفء الخشب تحت القدمين.
تلك التفاصيل التي تبدو بسيطة تشكّل في الواقع اللغة الخفية للرفاهية، حيث يترجم الجلد والعقل معًا مفهوم الفخامة عبر اللمس قبل النظر.
لقد اكتشفت صناعة الضيافة الحديثة أن الملمس ليس مجرد عنصر تصميم، بل تجربة عصبية كاملة تُخاطب المشاعر مباشرة وتؤثر على تقييم النزيل دون أن ينتبه.
الرفاهية تبدأ من أطراف الأصابع
يقول علماء الأعصاب إن اللمس هو أول حاسة يكتسبها الإنسان، والأكثر تأثيرًا في تكوين الراحة النفسية.
في علم الضيافة، تُعرف هذه الظاهرة بـ Tactile Luxury أو “الرفاهية اللمسية”، وتعني أن إحساس النزيل بالخامة يمكن أن يرفع تقييم التجربة حتى بنسبة 40%.
فعندما تلمس بشرة النزيل وسادة حريرية أو منشفة قطنية فاخرة، يُفرز الدماغ مادة “الأوكسيتوسين” المرتبطة بالراحة والثقة، ما يخلق ارتباطًا عاطفيًا بالفندق نفسه.
ولذلك أصبحت المفروشات والمنسوجات عنصرًا استراتيجيًا في تصميم الفنادق الحديثة، لأنها الوسيط الأول بين الإنسان والمكان.
إنها الرفاهية التي لا تُرى، بل تُحَسّ.
من التصميم البصري إلى التصميم الحسي
في الماضي، كانت الفخامة تُقاس بالعين: الثريات، الرخام، والذهب.
أما اليوم، فقد تغيّر المفهوم، وصار يُقاس بما يشعر به النزيل لا بما يراه.
الفندق الفاخر هو الذي يوفّر بيئة تُخاطب الحواس الخمس معًا، لكن الملمس يظل البوابة الأقوى للعاطفة.
ولهذا تعتمد الفنادق الكبرى مثل “The Ritz-Carlton” و“Four Seasons” و“Mandarin Oriental” على خبراء حسّيين لاختيار الأقمشة والخامات بعناية، بحيث تنقل إحساسًا بالنعومة والدفء دون مبالغة.
من أغطية السرير ذات خيوط القطن المصري الطويلة، إلى الستائر المخملية التي تُطفئ الضوء برقة، إلى الكراسي الجلدية التي تجمع بين الصلابة والاحتواء — كل تفصيلة تُسهم في صناعة شعورٍ واحد: الطمأنينة الفاخرة.
السعودية.. ملمس الضيافة الأصيلة
في المملكة العربية السعودية، حيث تتجذر ثقافة الضيافة في القيم العربية الأصيلة، اكتسبت تجربة اللمس بعدًا خاصًا يجمع بين الفخامة الحديثة والدفء الثقافي.
فنادق مثل “العنوان مكة”، “فيرمونت الرياض”، و“شذا المدينة” تمزج بين الأقمشة الفاخرة والمواد المحلية كالخشب العربي، الجلد الطبيعي، والسجاد المنسوج يدويًا، لتقديم تجربة حسية تُعبّر عن الأصالة والكرم.
وفي مشاريع “العلا” و“البحر الأحمر”، تتبنى الفنادق فلسفة “الملمس الطبيعي”، حيث تُستخدم مواد خام مثل الحجر الرملي، القطن العضوي، والخشب المحلي لتوليد إحساس بالاتصال مع الأرض والطبيعة.
هذه التفاصيل ليست تجميلية فحسب، بل جزء من هوية المكان، تجعل النزيل يشعر بأنه يعيش في حضن البيئة لا في انعزال عنها.
غرفة فندقية راقية بأقمشة ناعمة وخامات طبيعية تعزز شعور الراحة والدفء

ردهة فندقية تستخدم الجلد الطبيعي والخشب العربي في تصميم الأثاث الفاخر

نزيل يستمتع بملمس المفروشات الفاخرة التي تعكس جودة التجربة واهتمام التفاصيل

الملمس كأداة نفسية
المواد التي تلامس بشرتنا لا تؤثر في الجسد فقط، بل في الحالة المزاجية أيضًا.
الأقمشة الخشنة تُحفّز الحذر، بينما الأقمشة الناعمة تُثير الطمأنينة.
الأسطح المعدنية الباردة تُوحي بالفخامة العصرية، فيما الخشب يمنح إحساسًا بالدفء والحميمية.
ولهذا، تُستخدم هذه العناصر بعناية في توزيعها داخل الغرفة لتوجيه مشاعر النزيل بشكل غير مباشر.
مثلاً، تُستخدم خامات الحرير والمخمل في غرف النوم لتوليد إحساس بالاحتواء، بينما يُفضَّل الجلد أو الرخام في مناطق العمل لإيصال شعور بالجدية والتركيز.
إنه علم النفس المادي الذي يُحوّل التصميم إلى لغة شعورية دقيقة.
المفروشات كعلامة تجارية صامتة
لكل فندق بصمته الخاصة في اختيار المفروشات، وأحيانًا يُصبح نوع القماش جزءًا من هوية العلامة.
فنادق “Westin” مثلاً طوّرت مجموعة أسرّة باسم “Heavenly Bed” حازت شهرة عالمية بفضل ملمسها الفريد، بينما تعتمد “Bulgari Hotels” على أقمشة إيطالية مخملية تحمل توقيع حرفيي ميلانو.
هذه العناصر تُصبح مع الوقت رموزًا حسية يتذكرها النزلاء، فتتحول الرفاهية من فكرة إلى إحساس متجذر في الذاكرة.
التفاصيل الصغيرة التي تخلق الانطباع الكبير
لا يحتاج الفندق إلى استثمار ضخم ليُحدث تأثيرًا عميقًا، بل يكفي أن يتقن التفاصيل التي تلمس حياة النزيل اليومية.
منشفة تُغلف الجسد بعد الاستحمام، وسادة تحتضن الرقبة بإتقان، أو بساط يمنح القدم دفئًا عند الاستيقاظ.
هذه التفاصيل الصغيرة تُنتج لحظات راحة متكررة تشكّل في النهاية صورة فندقية لا تُنسى.
كما تُظهر الدراسات أن 72% من النزلاء يربطون جودة الإقامة بملمس المفروشات أكثر من ديكور الغرفة.
بمعنى آخر، الفخامة تُقاس بالإحساس لا بالمظهر.
المواد الطبيعية مقابل الصناعية
في سباق الرفاهية الحديثة، عادت الفنادق إلى الطبيعة.
فالمواد العضوية مثل الكتان والقطن والصوف أعادت مكانتها لأنها تمنح إحساسًا صادقًا بالدفء، بخلاف المواد الصناعية البراقة التي تفقد روحها بمرور الوقت.
كما أن الاتجاه البيئي الجديد جعل الفنادق تتبنّى مبدأ “Sustainable Touch”، أي الرفاهية المستدامة التي توازن بين الجمال والحفاظ على البيئة.
في فنادق “Six Senses” و“1 Hotels”، تُصنع المفروشات يدويًا من أقمشة معاد تدويرها أو منسوجات محلية، مما يمنحها ملمسًا طبيعيًا فريدًا يُشعر النزيل بأنه يعيش تجربة حقيقية لا مصطنعة.
الفنادق كمعامل لتجربة الإحساس
بدأت بعض الفنادق الحديثة، خصوصًا في آسيا وأوروبا، بإجراء أبحاث علمية حول تأثير الملمس على راحة النزلاء.
تُستخدم أجهزة استشعار تقيس درجة حرارة السرير ونسبة الرطوبة في القماش لضمان بيئة مثالية للنوم.
كما تُجرى تجارب حسية على عينات من الأقمشة لتحديد ما إذا كانت تمنح شعورًا بالانتعاش أو الهدوء.
إنها مقاربة علمية جديدة تجعل الفنادق أقرب إلى مختبرات للراحة العصبية.
الفخامة التي تروي قصة
وراء كل قطعة قماش قصة.
قد تكون مخدّة منسوجة في ورشة محلية، أو سجادة مستوحاة من تراث المنطقة، أو ستارة صُممت خصيصًا لتتماهى مع الضوء الطبيعي.
هذه التفاصيل تحوّل الرفاهية إلى تجربة إنسانية تحكي قصة المكان وثقافته.
وفي السعودية تحديدًا، بدأت فنادق عدة بتضمين الحرف التقليدية مثل النسيج النجدي أو التطريز الحجازي في مفروشاتها، لتربط النزيل بتاريخ الضيافة العربية العريقة.
الفخامة التي تُلمس.. لا تُرى
في نهاية الأمر، لا تُقاس الرفاهية بعدد النجوم ولا بنوع الرخام، بل بالإحساس الداخلي الذي يتركه المكان.
المفروشات التي تُداعب الحواس تخلق تجربة لا تُنسى، لأنها تربط الجسد بالعاطفة، والعين بالذاكرة.
وهكذا، يتحول الفندق من فضاء مادي إلى تجربة حسية متكاملة، يتذكّرها النزيل بأصابعه كما يتذكرها بعينيه.
س: ما المقصود بالرفاهية اللمسية في الفنادق؟
ج: هي التجربة التي تعتمد على ملمس المواد والأقمشة في تحفيز الراحة النفسية وتعزيز الإحساس بالفخامة.
س: كيف تؤثر المفروشات على تقييم النزلاء؟
ج: لأنها ترتبط مباشرة بحاسة اللمس، وهي الأكثر تأثيرًا على الدماغ والمزاج، ما يجعل الانطباع إيجابيًا وطويل الأمد.
س: لماذا تهتم السعودية بهذا الجانب؟
ج: لأنها تمزج بين الفخامة الحديثة والملمس التراثي، مما يجعل تجربة الضيافة السعودية فريدة ومتصلة بالهوية المحلية.
س: ما مستقبل تصميم المفروشات في الفنادق؟
ج: الاتجاه نحو المواد الطبيعية والمستدامة، واستخدام علم الأعصاب لتطوير أقمشة تُحفّز الراحة والنوم العميق.
اقرأ أيضًا: رحلة النزيل بعد تسجيل المغادرة.. التجربة التي تستمر من بعيد





