هل يصبح “الفراغ” هو معيار الفخامة القادم؟
إم إيه هوتيلز – خاص
في زمنٍ كانت فيه الفخامة تُقاس بالامتلاء—بكثرة الأثاث، التفاصيل، الزخارف، والمرايا—يبدو أن الفنادق الفاخرة اليوم تسير في الاتجاه المعاكس تمامًا.
فكلما زاد “الفراغ”، ارتفعت قيمة التصميم، وازدادت الفخامة صمتًا وأناقةً وعمقًا.
من طوكيو إلى الرياض، تتسابق الفنادق الكبرى لتبنّي فلسفة جديدة في الضيافة: الترف عبر المساحة الخالية، حيث يصبح الهواء والضوء والعزلة المقصودة جزءًا من رفاهية التجربة.
لم يعد “الفراغ” نقصًا في التفاصيل، بل أصبح أغلى تفاصيلها.
من الزخرفة إلى التنقية
في الماضي، كانت الفخامة تُصمَّم لتُرى.
اليوم، الفخامة تُصمَّم لتُحسّ.
التحول نحو “Minimal Luxury” أو الترف البسيط أصبح السمة الأبرز في تصميم الفنادق الحديثة، حيث تُزال العناصر الزائدة لتُترك المساحة لتتنفس، وللعين أن ترتاح.
تقول المصممة اليابانية “ناومي كاتو”:
“الفراغ هو الأداة الأكثر بلاغة في لغة التصميم، لأنه يتيح للمكان أن يتحدث بهدوء.”
وهذا بالضبط ما تفعله الفنادق الجديدة في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، حيث يُعاد التفكير في الفخامة ليس بما يُضاف، بل بما يُزال.
التصميم الذي يترك مسافة للهدوء
الفخامة الجديدة تقوم على الراحة البصرية.
الجدران الهادئة، المساحات المفتوحة، النوافذ الواسعة، الألوان الصامتة—all تهدف إلى خلق توازن نفسي بين النزيل والمكان.
في فندق “Aman Tokyo”، تتجسد هذه الفلسفة بأبهى صورها:
لوبي شبه فارغ، إضاءة طبيعية ناعمة، وأثاث محدود بعدد مقاعد النزلاء فقط.
إنه فراغ محسوب بدقة ليمنح إحساسًا بالاتساع الداخلي والهدوء الذهني.
وفي “The Chedi Andermatt” بسويسرا، تُعتبر المساحة الهادئة جزءًا من هوية الفندق، حيث يغيب الضجيج البصري ليبقى الضوء والهواء والمشهد الطبيعي أبطال المكان.
الفخامة كمساحة للتنفس
العالم المعاصر مزدحم بكل شيء: البيانات، الصور، الإعلانات، وحتى الأصوات.
لذلك أصبح المسافر يبحث عن الفراغ كملاذ.
غرفة بلا ازدحام تمنحه الإحساس بالتحرر، وردهة واسعة بلا زخرفة تمنحه لحظة تنفس نادرة.
تقرير “Luxury Redefined 2025” أشار إلى أن 62٪ من المسافرين الفاخرين يعتبرون “المساحة” أحد أهم عناصر الراحة النفسية أثناء الإقامة.
إنه تحول في الوعي من الفخامة المادية إلى الفخامة الذهنية.
المواد الطبيعية والضوء.. لغة الفراغ
الفراغ لا يعني البساطة الفقيرة، بل البساطة الغنية.
الخشب الطبيعي، الحجر الرملي، الزجاج الشفاف، واللون الأبيض الدافئ كلها عناصر تُستخدم لإبراز الجمال في الصمت والحيّز.
في “Habitas AlUla” بالسعودية، تُستخدم المساحات المفتوحة كعنصر تصميم أساسي:
الجدران شبه غائبة، والأفق يدخل الغرفة بسلاسة ليخلق تواصلًا بصريًا بين الإنسان والطبيعة.
إنه “الفراغ الحاضر”، الذي يُعيد تعريف الراحة من جديد.
التكنولوجيا غير المرئية
في عالم الفنادق الذكية، لا يُقاس الترف بعدد الأجهزة، بل بقدرتها على الاختفاء.
الفخامة الحديثة تُخفي التكنولوجيا داخل التصميم، بحيث تعمل دون أن تُرى أو تُشعرك بالضجيج التقني.
أنظمة الإضاءة، التكييف، والستائر تُدار كلها عبر خوارزميات ذكية تتفاعل مع الوقت والمزاج، دون أن تُفسد صفاء المكان.
تُعرف هذه الفلسفة بـ “Calm Tech”، أي التكنولوجيا الهادئة، التي تدعم فكرة أن الفراغ هو الفخامة الجديدة.
السعودية.. مساحات من الضوء والسكينة
في المملكة العربية السعودية، تُجسّد المشاريع السياحية الكبرى هذا الاتجاه بامتياز.
ففي مشروع البحر الأحمر ونيوم، يُعاد تصميم الفنادق لتكون منسجمة مع الطبيعة، لا متسلطة عليها.
الغرف تُفتح على أفقٍ مفتوح بلا حدود، والممرات تستبدل الجدران بالهواء، والتصميم يستلهم فلسفة الصحراء: القليل الذي يعني الكثير.
الفخامة هنا ليست زخرفة، بل تجربة شعورية قائمة على الفراغ، الضوء، والسكينة.
وفي “منتجع أمالا”، يُقدَّم الترف من خلال التصميم البصري النقي والألوان المطفأة، ليشعر النزيل أن المكان يحتضنه دون أن يفرض نفسه عليه.
من التكدّس إلى الصفاء
يقول أحد مديري التصميم في مجموعة “Four Seasons”:
“الترف القادم هو القدرة على الصمت في عالمٍ لا يتوقف عن الكلام.”
وهذا الصمت المعماري أصبح اليوم أغلى من الذهب.
الفنادق الكبرى بدأت تُعيد التفكير في ديكوراتها، وتستبدل الزخارف بفراغات مريحة، لتُعيد للنزيل إحساسه بالصفاء الداخلي.
الفخامة النفسية
الفراغ لا يمنح الجمال فحسب، بل الطمأنينة.
كل متر فارغ هو مساحة تأمل، وكل ضوء طبيعي هو تذكير بالبساطة التي فقدناها وسط صخب المدينة.
لهذا أصبح “الفراغ” أداة فندقية فعّالة لتحسين جودة النوم، تخفيف التوتر، وإعادة التوازن الحسي للنزيل.
تُعرف هذه المقاربة الجديدة في علم التصميم باسم “Mindful Architecture” – العمارة الواعية، التي تضع راحة النفس فوق الزخرفة.
ردهة فندقية حديثة بتصميم مفتوح يعبّر عن الفخامة الهادئة

غرفة فندقية واسعة بخطوط بسيطة تبرز قيمة الفراغ كعنصر جمالي

منتجع فاخر سعودي يدمج المساحات المفتوحة مع الضوء الطبيعي لخلق سكينة بصرية

الخلاصة: الفخامة التي تُقاس بالمسافة
قد يكون المستقبل هو زمن “الترف الصامت”، حيث تُصبح المساحة الفارغة علامة جودة لا غيابًا للرفاهية.
الفندق الفاخر غدًا هو الذي يمنحك الفرصة لتسمع نفسك، لا لتنبهر فقط بمحيطك.
فالفراغ لم يعد نقيض الفخامة، بل جوهرها الجديد.
س: ما المقصود بأن “الفراغ” أصبح معيارًا للفخامة؟
ج: هو التحول في التصميم من التركيز على الزخرفة إلى المساحة الهادئة التي تمنح النزيل راحة بصرية ونفسية.
س: كيف يوظف المصممون الفراغ في الفنادق الحديثة؟
ج: عبر استخدام الألوان الهادئة، الإضاءة الطبيعية، والأثاث المحدود الذي يسمح للمساحة بالتنفس.
س: هل يتوافق هذا الاتجاه مع رؤية السعودية 2030؟
ج: نعم، إذ تعتمد المشاريع السعودية الكبرى مثل نيوم والبحر الأحمر على تصميمات مفتوحة تعزز الانسجام مع الطبيعة والسكينة.
س: هل يُفقد الفراغ الإحساس بالفخامة؟
ج: على العكس، يمنحها عمقًا وتأملًا، ويجعل التجربة أكثر هدوءًا واتزانًا من أي وقت مضى.
اقرأ أيضًا: تجربة الغرفة الواحدة.. كيف غيرت أجنحة “البوتيك” معايير الرفاهية





