إم إيه هوتيلز – خاص
في عالم التصميم الفندقي الحديث، لم تعد الرفاهية تعني التكدّس البصري أو الزخارف المبالغ فيها، بل أصبحت ترتبط بالبساطة، والتنفس، والمساحات الهادئة التي تتيح للنزيل الشعور بالانفصال عن الضجيج.
هذه المساحات التي تبدو “فارغة” في ظاهرها، تُعرف في علم التصميم باسم المساحات السلبية (Negative Space)، وهي الأداة الخفية التي تمنح المكان طاقته النفسية وتناغمه البصري.
المساحة السلبية ليست فراغًا بلا معنى، بل لغة صامتة تقول للنزيل “هنا يمكنك أن تهدأ”.
إنها مساحة تُتيح للعقل أن يستريح والعين أن تتنفس، وتشكل أحد أهم أسرار التصميم الفندقي الراقي في القرن الحادي والعشرين، خصوصًا في الفنادق التي تسعى لجعل الإقامة تجربة استشفاء روحي ونفسي قبل أن تكون راحة جسدية.
عندما يتحدث الفراغ
يقول المعماري الياباني “كينغو كوما” إن «الفراغ ليس غيابًا، بل حضور خفيّ».
وهذا بالضبط ما تفعله المساحات السلبية داخل الفنادق الحديثة، حيث تتحول الجدران البيضاء، الزوايا الهادئة، والفراغات بين الأثاث إلى أدواتٍ للتعبير عن الهدوء والتناغم.
الفندق الذي يمنح عينه مساحة للرؤية دون ازدحام، يمنح روحه مساحة للتنفس دون توتر.
علم النفس البيئي يوضح أن العقل البشري يتفاعل إيجابيًا مع الفراغ المنظّم، إذ يقلل التوتر ويزيد التركيز ويعزز الإحساس بالسيطرة.
وهكذا يصبح التصميم الفندقي القائم على المساحات السلبية علاجًا غير مباشر للضجيج الذهني الذي يحمله النزيل من العالم الخارجي.
السعودية.. الفخامة التي تتنفس
تتبنى المشاريع الفندقية السعودية الحديثة — من “العلا” إلى “نيوم” — فلسفة المساحات السلبية ضمن رؤيتها لتجربة ضيافة راقية وبسيطة في آنٍ واحد.
ففي منتجع “أمارا العلا”، على سبيل المثال، يُستخدم الفراغ المحيط بالعمارة لخلق اتصالٍ بصري مع الطبيعة، مما يجعل المنظر جزءًا من التصميم.
وفي “فندق شذا المدينة”، تُمنح الردهات مسافات واسعة بين العناصر لتجنب الازدحام البصري، بينما تُستخدم الألوان الترابية والإضاءة الهادئة لتعزيز الشعور بالسكينة.
إنها الرفاهية التي تأتي من الصمت، لا من الزخرفة، ومن البساطة التي تُشعر النزيل بأنه في بيئة متصالحة مع ذاته.
ردهة فندقية فسيحة تعتمد على المساحات الفارغة لتوليد شعور بالسكينة

غرفة فندقية بديكور بسيط وألوان محايدة توفر للنزيل راحة بصرية وذهنية

تصميم معماري فندقي يدمج الضوء الطبيعي مع المساحات الواسعة لخلق انسجام نفسي

المساحات السلبية كأداة توازن بصري
في علم التصميم، تُستخدم المساحات السلبية لتوزيع الانتباه ومنح كل عنصر قيمته.
فعندما يُترك فراغ كافٍ حول قطعة فنية أو نافذة، تُبرز جماليّتها بشكل أكبر.
وفي الفنادق، تتحول هذه التقنية إلى أداةٍ لخلق توازن نفسي وبصري يجعل النزيل يشعر بالانسجام منذ لحظة دخوله.
المساحة الفارغة تمنح إحساسًا بالاتساع والحرية، بينما المساحات المزدحمة تثير القلق اللاواعي حتى دون إدراك الزائر لذلك.
ولهذا، يعتمد المصممون الفندقيون على قاعدة “الأقل هو الأكثر”، حيث يُحذف الزائد ليُصبح الهدوء هو العنصر الأبرز في التجربة.
الضوء والظل.. تكامل الصمت البصري
الإضاءة عنصر أساسي في تفعيل المساحات السلبية.
فالضوء الطبيعي حين يتسلل إلى مساحة خالية يخلق حالة تأملية شبيهة بالسكينة الروحية.
أما الظلال الناعمة، فتوفر عمقًا بصريًا يُكمل الفراغ بدل أن يلغيه.
ولهذا، تُصمم النوافذ والممرات بعناية لتوازن الضوء والظل، فيتحول المكان إلى مسرح هادئ للنور والراحة النفسية.
في بعض الفنادق مثل “Six Senses Zighy Bay” و“Habitas AlUla”، يُستخدم هذا المفهوم حرفيًا؛ حيث تُصبح الجدران الرملية والفراغات الواسعة جزءًا من تجربة الضيافة التأملية التي تُمكّن الضيف من الانفصال عن ضغط العالم الخارجي.
العلاقة بين المساحة والإحساس بالزمن
الدراسات الحديثة في علم الأعصاب تشير إلى أن الأماكن المزدحمة بالألوان والأشياء تُسرّع إدراك الزمن، بينما الأماكن الهادئة ذات الفراغات الواسعة تجعل الزمن يبدو أطول وأكثر هدوءًا.
في الفنادق، تُستخدم هذه التقنية بشكل غير مباشر لإطالة الإحساس بالاسترخاء وجعل الإقامة تبدو أطول مما هي عليه فعلاً.
وهكذا تتحول المساحة السلبية إلى أداة لإعادة ضبط الإيقاع الداخلي للنزيل، تمنحه وقتًا بطيئًا يشعر فيه بالسكينة والاتصال بذاته.
التصميم النفسي.. كيف يتحدث الفراغ مع العقل؟
الفراغ ليس مجرد عنصر بصري، بل محفّز عصبي.
فحين يدخل الزائر إلى مكانٍ متوازن المساحات، يُفرز الدماغ هرمونات الهدوء مثل “السيروتونين”، فينخفض معدل نبض القلب ويزداد الشعور بالراحة.
ومن هنا، ظهرت في التصميمات الحديثة مفاهيم مثل “العمارة الصامتة” و“الفن البسيط”، التي تعيد تعريف الرفاهية باعتبارها تجربة ذهنية لا مادية.
إنها الرفاهية التي لا تلمع ولا تُعلن عن نفسها، لكنها تُشعر النزيل بسلام داخلي لا يمكن شراؤه.
من اليابان إلى الخليج.. مدرسة السكون
الفلسفة اليابانية في العمارة — خاصة مبدأ “ما” (Ma) — أثرت بعمق في تصميم الفنادق العالمية.
هذا المفهوم يقوم على أن “الفراغ هو ما يعطي الأشياء معناها”.
وفي الخليج، بدأت هذه الفلسفة تتجسد في التصميمات الراقية التي تدمج البساطة الشرقية مع الأصالة العربية، لتخلق تجربة تجمع بين التأمل والكرم.
الفندق الحديث في السعودية أو الإمارات لا يسعى فقط لإبهار الضيف، بل لتهدئته.
ولهذا، باتت المساحات الهادئة جزءًا من هوية الضيافة الإقليمية الجديدة.
س: ما المقصود بالمساحات السلبية في التصميم الفندقي؟
ج: هي الفراغات المحسوبة بين العناصر المعمارية والديكورية التي تتيح للنزيل الشعور بالاتساع والراحة النفسية.
س: كيف ترفع هذه المساحات من جودة التجربة الفندقية؟
ج: من خلال تقليل التحفيز البصري الزائد، وتعزيز الإحساس بالسكينة، وتنظيم تفاعل الحواس مع البيئة.
س: ما علاقة المساحات السلبية بعلم النفس؟
ج: تؤثر مباشرة على معدل التوتر والانتباه، إذ تساعد الدماغ على الاسترخاء وإعادة التوازن العصبي.
س: كيف تطبّق السعودية هذا المفهوم في فنادقها الحديثة؟
ج: عبر تصميمات تدمج البساطة مع الأصالة، مستلهمة فلسفة الهدوء من الطبيعة والبيئة المحلية.
اقرأ أيضًا: الرائحة كهوية فندقية.. كيف تصنع الفنادق توقيعها الحسي الخاص؟





