من الهندسة إلى الإحساس.. علم نفس التصميم الفندقي
إم إيه هوتيلز – خاص
لم يعد تصميم الفندق مجرّد هندسة معمارية أو توزيع ذكي للمساحات، بل أصبح علماً نفسياً متكاملاً يستند إلى فهم السلوك الإنساني، المشاعر، والإدراك الحسي.
اليوم، يُبنى الفندق ليس ليُدهش العين فقط، بل ليُريح العقل ويُثير الحواس ويخلق تجربة شعورية متوازنة تُترجم قيم الضيافة إلى إحساس ملموس.
هذا التحوّل من “المبنى” إلى “التجربة” جعل علم نفس التصميم الفندقي (Hospitality Design Psychology) أحد أهم اتجاهات صناعة الضيافة الحديثة، إذ لم يعد الجمال غاية التصميم، بل وسيلته إلى راحة الإنسان.
التصميم الذي يُخاطب اللاوعي
عندما يدخل النزيل إلى فندق لأول مرة، فإن انطباعه لا يتشكل بالمنطق، بل بالإحساس الأول.
الألوان، الإضاءة، الروائح، ودرجة الصوت تُكوّن في ثوانٍ معدودة تجربة نفسية تحدد مدى ارتياحه للمكان.
دراسة من Cornell School of Hotel Administration 2025 كشفت أن 82٪ من النزلاء يتخذون موقفًا عاطفيًا من الفندق خلال الدقائق الثلاث الأولى من دخولهم إليه، قبل أن يتعاملوا مع أي موظف أو خدمة.
ولهذا أصبح المصمم الفندقي الحديث يُفكر كعالم نفس أكثر منه كمهندس، فكل زاوية، لون، ورائحة أصبحت جزءًا من “لغة الوعي الضيافي”.
اللون كأداة لتهدئة العاطفة
الألوان ليست مجرد خلفية جمالية، بل محفزات عصبية تُعيد تشكيل المزاج.
الفنادق الفاخرة تعتمد على الألوان الترابية والدرجات الهادئة لأنها تُقلّل من القلق وتُعزز الشعور بالاستقرار.
في فندق “Six Senses Zighy Bay” بعُمان، يُستخدم الطين الطبيعي في الجدران ليمنح النزيل إحساسًا بالأمان والتأصيل المكاني، بينما تخلق الإضاءة الدافئة جوًا من الألفة والسكينة.
أما الفنادق الحضرية الحديثة مثل “Paramount Dubai”، فتستخدم مزيجًا من الألوان الداكنة مع اللمسات الذهبية لإثارة إحساس بالقوة والفخامة.
الإضاءة.. بين الانفتاح والاحتواء
الإضاءة في علم النفس الفندقي ليست وسيلة للرؤية فقط، بل وسيلة للتواصل العاطفي.
الإضاءة العمودية القوية تُحفّز الانتباه والنشاط، بينما الإضاءة الجانبية الدافئة تُولّد مشاعر الراحة والانتماء.
في “Aman Kyoto”، تُستخدم إضاءة خفية تحت الأرضيات الخشبية لتمنح شعورًا بالهدوء الطبيعي، وكأن الضوء يأتي من المكان ذاته لا من الأجهزة.
أما الفنادق السعودية الحديثة، فتُوظّف تقنيات الإضاءة الذكية لتبديل المزاج عبر اليوم، من النور الصباحي النقي إلى الإضاءة المسائية المريحة، محاكية دورة الحياة الطبيعية للنزيل.
الصوت والروائح.. حواس الهوية
الصوت والروائح هما أكثر عناصر التصميم التي تتحدث مباشرة إلى اللاوعي.
صوت الماء في الردهات، موسيقى خافتة بإيقاع القلب البشري، ورائحة عطرية ثابتة تُعرّف هوية الفندق—كلها أدوات تستخدمها الفنادق الكبرى لتعميق تجربة الانتماء.
في “Rosewood Hong Kong”، تُستخدم روائح مميزة من اللافندر وخشب الصندل في جميع الغرف بحيث يربط الضيف بينها وبين تجربة الفندق حتى بعد مغادرته.
إنها الهندسة الحسية التي تحوّل الفنادق إلى ذاكرة شعورية لا تُنسى.
التوازن بين الصمت والحركة
من المبادئ الأساسية في علم نفس التصميم الفندقي أن التوازن البصري ينعكس مباشرة على راحة الضيف.
إذا كانت الردهة مزدحمة بالعناصر البصرية، يشعر النزيل بالارتباك، أما إذا كانت خالية تمامًا، فقد يشعر بالبرود.
لهذا يُصمَّم المكان بدقة بين الحيوية البصرية والسكينة النفسية.
في فندق “Habitas AlUla”، تنسجم خطوط التصميم مع تضاريس الوادي، فتتدفق المساحات كما لو كانت استمرارًا للطبيعة، لا قطيعة معها.
المساحة النفسية لا المادية
ليست المساحة الحقيقية هي ما يهم، بل الإحساس بها.
غرفة صغيرة ذات توزيع متقن وإضاءة ناعمة قد تمنح شعورًا بالاتساع أكثر من جناح ضخم مضاء بإضاءة بيضاء قاسية.
هذا ما يُسمّى في علم النفس بـ Perceived Space – أي المساحة المُدرَكة.
الفنادق التي تُتقن توظيف هذا المفهوم تنجح في خلق شعور بالراحة حتى في المساحات المحدودة، لأن النزيل يشعر أن الغرفة تتنفس معه.
التصميم كمعالج نفسي
في عالم ما بعد الجائحة، ارتفع الطلب على الفنادق التي تُعطي الأولوية للراحة الذهنية.
الفخامة الجديدة أصبحت تُقاس بقدرة المكان على شفاء النفس من التوتر، وليس فقط بترف المواد المستخدمة.
ولهذا ظهرت فئة جديدة تُعرف باسم Healing Hotels – أي الفنادق العلاجية، التي تُصمم غرفها وفق أسس علم النفس البيئي، مثل تقليل الزوايا الحادة، استخدام الضوء الطبيعي، وإضافة عناصر مائية.
وفي السعودية، تتبنى مشاريع مثل البحر الأحمر وأمالا هذه الفلسفة بوضوح، إذ تُصمم الفنادق لتكون مساحات شفاء بصري وروحي في قلب الطبيعة.
ردهة فندقية أنيقة توظف الألوان الدافئة لتعزيز الشعور بالراحة النفسية

غرفة فندقية متوازنة الإضاءة تدمج بين الهدوء والحميمية

تصميم داخلي مستوحى من الطبيعة يعكس فلسفة العمارة الحسية الحديثة

من الفن إلى العلم
تصميم الفندق اليوم لم يعد مجرد ترف بصري، بل أصبح أداة لإدارة العاطفة الإنسانية.
الهندسة تُبنى على الأرقام، أما الإحساس فيُبنى على الوعي، والمصمم الفندقي المعاصر يجمع بين الاثنين ليخلق “تجربة ضيافة نفسية” كاملة.
ولهذا بات يُقال إن أفضل تصميم هو الذي لا تشعر به، بل يهدّئك دون أن تلاحظه.
س: ما المقصود بعلم نفس التصميم الفندقي؟
ج: هو علم يدمج بين الهندسة المعمارية والسلوك الإنساني لتصميم أماكن تُحفّز الراحة النفسية والعاطفية للنزلاء.
س: كيف تؤثر الألوان والإضاءة على مشاعر النزلاء؟
ج: الألوان تهدئ أو تنشّط بحسب نوعها، والإضاءة تخلق الجو العاطفي الذي يحدد الانطباع العام عن الفندق.
س: ما دور الصوت والروائح في تصميم الفنادق؟
ج: تُستخدم لتعزيز الذاكرة الحسية للنزيل وربطه بالمكان من خلال تجربة متعددة الحواس.
س: كيف تُجسّد السعودية هذه الفلسفة؟
ج: من خلال مشاريعها الكبرى التي تدمج الطبيعة بالتصميم الواعي، مثل البحر الأحمر وأمالا، حيث تُبنى الفنادق كمساحات استشفاء نفسية.
اقرأ أيضًا: كيف تؤثر الألوان والإضاءة في جودة النوم داخل الفندق؟





