من الفنادق إلى الإقامات المدمجة.. مستقبل قطاع الضيافة في ظل الاقتصاد التشاركي
خاص – إم إيه هوتيلز
لم تعد الفنادق التقليدية الخيار الوحيد للمسافرين، بل ظهرت نماذج جديدة مثل الإقامات المدمجة التي تمزج بين راحة المنازل وخدمات الفنادق. ففي العقد الأخير، شهد قطاع الضيافة تحولًا جذريًا بفعل صعود الاقتصاد التشاركي، الذي أعاد تعريف مفهوم الإقامة والسفر.
هذا المقال يستعرض مفهوم الاقتصاد التشاركي، أهميته في الإقامات المدمجة، الفوائد التي يحققها، بالإضافة إلى أمثلة واقعية وتقارير دولية توثق هذا التحوُّل ومستقبله.
ماذا لدينا حول الاقتصاد التشاركي؟
يُعد الاقتصاد التشاركي نموذج اقتصادي يقوم على مشاركة الموارد والخدمات بين الأفراد من خلال منصات رقمية، مما يتيح الاستفادة من الأصول غير المستخدمة. في مجال الضيافة، يُمثل هذا النموذج من خلال منصات مثل Airbnb وHomeAway، حيث يمكن للأفراد تأجير غرف أو منازل للزوار.
وفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي، فإن الإقامات عبر منصات الاقتصاد التشاركي تمثل حوالي 7% من إجمالي الإقامات السياحية العالمية، أي ما يعادل 8 ملايين سرير.
أهمية الاقتصاد التشاركي في الإقامات المدمجة
الإقامات المدمجة تمثل تطورًا في مفهوم الضيافة، حيث تجمع بين مزايا الإقامة المنزلية والخدمات الفندقية. تُتيح هذه النماذج للمسافرين تجربة أكثر تخصيصًا ومرونة، مع الحفاظ على جودة الخدمات، كما توفر لأصحاب العقارات فرصة لتحقيق دخل إضافي من خلال تأجير ممتلكاتهم.
تُشير دراسة نُشرت في مجلة “Nature” إلى أن التفاعل الاجتماعي والوجود الاجتماعي المتبادل في الإقامات التشاركية يُعزز من رضا الضيوف ويزيد من احتمالية تكرار التجربة.
فوائد الإقامات المدمجة في ظل الاقتصاد التشاركي
فوائد الإقامات المدمجة في ظل الاقتصاد التشاركي تتجاوز الجانب الاقتصادي، لتشمل أبعادًا ثقافية واجتماعية واستدامية. أحد أبرز هذه الفوائد هو تنوع الخيارات، حيث تُمكن الإقامات المدمجة المسافرين من اختيار نماذج سكنية تتراوح بين غرف بسيطة في منازل محلية وشقق فاخرة كاملة، وهو ما يُناسب مختلف الميزانيات وأنماط السفر. كما تتيح هذه النماذج تجربة محلية أصيلة، إذ يعيش النزيل في قلب المجتمع المحلي، ويتفاعل مع السكان، ويختبر الثقافة من منظور داخلي، بعيدًا عن النمط السياحي التقليدي.
أما على الصعيد التنموي، فتُوفر الإقامات المدمجة استدامة اقتصادية واضحة، إذ تُمكّن الأفراد من استثمار
مواردهم العقارية، وتُنشّط الاقتصاد المجتمعي من خلال دعم المتاجر والخدمات المحلية. ويُضاف إلى ذلك المرونة العالية التي تُتيحها هذه الإقامات، حيث يختار الزائر موقعه، ومدة إقامته، وحتى الخدمات التي يرغب بها، ضمن بيئة تُحاكي منزله، ما يعزز من راحته ويُقلّل من الشعور بالغربة، خصوصًا في السفر الطويل أو العائلي.
أمثلة واقعية على الإقامات المدمجة
تُعد تجربة “Roost Apartment Hotel” في فيلادلفيا “أكبر مدن ولاية بنسلفانيا الأمريكية” نموذجًا رائدًا في دمج مزايا الشقق السكنية مع الخدمات الفندقية الفاخرة، حيث تستهدف المسافرين لفترات طويلة من خلال توفير مساحات معيشية بتصميم حديث مع خدمة تنظيف دورية ومرافق مشتركة. من جهتها، تقدم سلسلة Element by Westin مفهومًا مبتكرًا يدمج بين التصميم المرن والاستدامة، إذ توفّر مساحات متعددة الاستخدامات تلائم أنماط الحياة المتنوعة وتجمع بين بيئة العمل وأجواء الاسترخاء.
أمَّا “AKA Serviced Residences”، فهي تمثل علامة بارزة في قطاع الإقامات الفندقية المدمجة، من خلال تقديم شقق فاخرة مزوّدة بخدمات شاملة، مع الحرص على خلق تجربة محلية أصيلة عبر التعاون مع مؤسسات ثقافية ومطاعم من المجتمع المحلي. هذه النماذج تعكس تطور مفهوم الإقامة نحو حلول مرنة تُلبي
احتياجات المسافرين المعاصرين، خاصة في ظل تغير أنماط العمل والسفر حول العالم.
تقارير دولية حول الاقتصاد التشاركي في الضيافة
أظهرت تقارير دولية صادرة عن مؤسسات بارزة مثل البنك الدولي ومنظمة السياحة العالمية “UNWTO” اهتمامًا متزايدًا بالاقتصاد التشاركي في قطاع الضيافة، لما له من دور فعّال في إعادة تشكيل مشهد الإقامة والسياحة حول العالم. يُبرز تقرير البنك الدولي كيف ساهمت المنصات التشاركية مثل Airbnb في توسيع نطاق الخيارات المتاحة للمسافرين، وفي الوقت نفسه تعزيز العوائد الاقتصادية للمجتمعات المحلية، خاصة من خلال تمكين الأفراد من الاستفادة من ممتلكاتهم الخاصة كمصادر دخل.
في المقابل، يشير التقرير إلى أن هذا التحول السريع نحو الاقتصاد التشاركي يتطلب مواكبة تنظيمية من قِبل الحكومات، عبر تطوير أطر قانونية تراعي الابتكار وتحفّز الاستثمار، دون الإخلال بمتطلبات الحماية للمستهلكين والمجتمعات. ويشدد البنك الدولي على ضرورة صياغة سياسات مرنة تستجيب لطبيعة السوق الجديدة، بما يحفظ التوازن بين الديناميكية الاقتصادية والمصلحة العامة.
أما تقرير منظمة السياحة العالمية “UNWTO” ، فقد تناول تأثير الخدمات التشاركية على القطاع السياحي التقليدي، موصيًا بإعادة النظر في السياسات السياحية الراهنة بما يتلاءم مع هذا النموذج الناشئ. وأكد التقرير على أهمية فهم سلوك المستهلك الجديد، ودور التكنولوجيا في توجيه اختياراته، داعيًا إلى التكامل بين مقدمي الخدمات التقليدية والرقمية من أجل بناء منظومة سياحية شاملة وعادلة ومستدامة.
كيف يُعاد تشكيل قطاع الضيافة؟
الاقتصاد التشاركي يُعيد تشكيل قطاع الضيافة، مُقدّمًا نماذج إقامات مدمجة تُلبي احتياجات المسافرين المعاصرين الباحثين عن تجارب أكثر تخصيصًا ومرونة. مع استمرار هذا التحول، يُصبح من الضروري للجهات المعنية تطوير سياسات تُعزز من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية، مع ضمان جودة الخدمات وحماية المستهلكين.
اقرأ أيضًا: الاقتصاد التشاركي.. ثورة تُعيد تشكيل صناعة الفنادق التقليدية





