إم إيه هوتيلز – خاص
لم يعد التميّز في عالم الفنادق يقاس فقط بحجم المباني أو فخامتها، بل بقدرتها على التعبير عن هوية المكان الذي تنتمي إليه.
فالمسافر المعاصر لم يعد يبحث عن إقامةٍ مريحة فحسب، بل عن تجربةٍ تُشعره بالانتماء الجغرافي والثقافي للمكان الذي يزوره.
ومن هنا وُلد مفهوم “المعمار المحلي كعلامة تجارية”،
أي تحويل الطابع المعماري والثقافي للمنطقة إلى جزءٍ من هوية الفندق نفسه، بحيث يصبح البناء امتدادًا للثقافة لا مفارقةً لها.
إنه تحوّل جوهري في فلسفة الضيافة، حيث لا يكون الفندق “منفصلًا عن المكان” بل تعبيرًا حيًا عنه.
المعمار كأداة سرد للهوية
العمارة ليست مجرد جدران، بل وسيلة رواية.
الفندق الذي يستخدم عناصر من التراث المحلي في تصميمه لا ينقل صورةً بصرية فحسب،
بل يروي قصة المكان عبر الحجر، الخشب، والإضاءة.
فكل قوسٍ أو نافذةٍ تقليديةٍ تحمل حكايةً من التاريخ، وكل لونٍ من ألوان الجدران يعيد تشكيل الذاكرة البصرية للزائر.
ولهذا، أصبح “المعمار السردي” أحد أهم اتجاهات التصميم الفندقي المعاصر،
إذ يُدمج فيه الماضي بالحاضر ليمنح النزيل تجربة ثقافية حسيّة توازي الراحة الجسدية.
من العولمة إلى الخصوصية
في العقدين الأخيرين، أدت العولمة إلى تشابه آلاف الفنادق حول العالم.
ردهة “نيويورك” تشبه “سنغافورة”، وغرفة “باريس” لا تختلف كثيرًا عن “الرياض”.
لكن هذا التشابه ألغى الخصوصية الثقافية التي تمنح الفندق شخصيته الفريدة.
ردّ الفعل جاء من الاتجاه المعاكس:
العودة إلى “المحلية” كقيمةٍ تسويقيةٍ عليا.
فالفندق المحلي الذي يعكس روح المكان أصبح اليوم أكثر جاذبية للنزلاء الدوليين من الفنادق العالمية المتشابهة.
إنه يقدّم “هوية” يمكن الشعور بها، لا مجرد إقامة مؤقتة.
السعودية.. العمارة كمرآة للهوية
تُعدّ المملكة العربية السعودية من أبرز الدول التي أعادت تعريف العلاقة بين المعمار والهوية.
ففي “الدرعية”، تُستحضر الطرازات النجدية بتفاصيلها التراثية من الحجر الطيني والأقواس الخشبية،
لكنها تُدمج بتقنيات حديثة في العزل والتهوية، لتقدّم تجربة أصيلة ومعاصرة في الوقت ذاته.
وفي “العلا”، تُصمم المنتجعات بمواد محلية تحاكي ألوان الجبال المحيطة،
حيث يمتزج المعمار بالصحراء ليبدو كامتدادٍ طبيعيٍّ لها.
أما في “نيوم”، فتُعيد الفلسفة المعمارية تعريف الهوية عبر الحداثة المتجذّرة،
إذ تدمج العناصر التراثية في بنية ذكية صديقة للبيئة، لتعبّر عن المستقبل دون أن تنكر الجذور.
بهذا، يصبح الفندق في السعودية سفيرًا ثقافيًا بقدر ما هو منشأة ضيافة.
واجهة فندقية مستوحاة من الطراز النجدي التقليدي بألوان ترابية دافئة

ردهة فندق تمزج بين الفن الحديث والعناصر الحرفية المحلية

غرفة فندقية بتفاصيل معمارية تراثية وأثاث مصنوع يدويًا من مواد طبيعية

التفاصيل الصغيرة التي تصنع الانتماء
الهوية لا تُبنى فقط من شكل الجدران، بل من تفاصيل الملمس والرائحة والصوت.
الخشب المحلي في الأبواب، الزخارف المستوحاة من التراث،
الأنغام الموسيقية الخفيفة التي تعكس ثقافة المكان — كلها تشكّل تجربة انتماء كاملة.
حتى قائمة الطعام في المطاعم الفندقية أصبحت جزءًا من الهوية،
فحين يتذوق النزيل طبقًا محليًا معروضًا في أجواء مستوحاة من البيئة نفسها،
فهو لا يعيش ضيافةً فحسب، بل ينغمس في سردٍ ثقافيٍّ متكامل.
المعمار كوسيلة تسويق
من منظور تسويقي، يُعتبر المعمار المحلي اليوم أقوى عنصر في هوية العلامة الفندقية.
فالفندق الذي يحمل بصمة ثقافية مميزة يسوّق نفسه ذاتيًا من خلال الصور التي يلتقطها النزلاء.
تُظهر الدراسات أن 68٪ من الصور التي تُنشر على وسائل التواصل من الفنادق ترتبط بعناصر تصميم محلية أو معمارية.
وبالتالي، أصبح المعمار أداة جذب رقميٍّ لا تقل أهمية عن الحملات الإعلانية،
لأنه يقدّم للفندق ما لا يمكن تقليده: الأصالة.
الفخامة المتجذّرة في المكان
الفخامة المعاصرة لم تعد ذهبًا أو رخامًا، بل انتماءً بصريًا وروحيًا.
الفنادق الحديثة باتت تُدرك أن الراحة لا تأتي فقط من الوسادة الفاخرة،
بل من الشعور بأنك “في مكانٍ حقيقيٍّ له قصة”.
ولهذا تتجه العلامات الفندقية الكبرى إلى التعاون مع معماريين محليين،
لإحياء الطابع الثقافي في كل تفصيلة من النوافذ إلى السجاد.
إنها فخامة تُشعرك بالانتماء بدل الانبهار، فالتصميم لا يصرخ، بل يهمس بلغة المكان.
من المبنى إلى العلامة
عندما يتحول المعمار إلى علامة تجارية، يصبح كل فندقٍ تجربةً مميزة لا تُكرر.
في هذا المفهوم، لا يعود الشعار هو ما يعرّف الفندق، بل المشهد البصري والروحي للمكان.
الدرعية، العلا، الطائف، وجدة القديمة تقدّم اليوم نماذج ملهمة لهذا الاتجاه،
حيث تتحدث الجدران بلغة الماضي، وتُضيف التكنولوجيا نغمتها الحديثة،
ليتشكّل مزيج فريد يُعبّر عن الهوية السعودية كقصةٍ معماريةٍ متجددة.
س: ما المقصود بالمعمار المحلي في الفنادق؟
ج: هو التصميم الذي يعتمد على عناصر ومواد وأشكال مستوحاة من ثقافة ومناخ وهوية المنطقة التي يُقام فيها الفندق.
س: كيف يعزز المعمار المحلي تجربة النزيل؟
ج: عبر خلق شعور بالانتماء والدفء الثقافي، مما يجعل الإقامة تجربة وجدانية وليست وظيفية فقط.
س: ما الذي يميز السعودية في هذا الاتجاه؟
ج: قدرتها على المزج بين التراث والحداثة ضمن بيئة معمارية تكرّم الجذور وتحتضن الابتكار.
س: هل يمكن للعمارة أن تكون أداة تسويق؟
ج: نعم، فالمعمار الأصيل يخلق هوية بصرية فريدة تجذب النزلاء وتُميّز الفندق عن منافسيه عالميًا.
اقرأ أيضًا: كيف تصمم الفنادق مناطق “الانفصال الذهني” من صخب المدن؟





