إم إيه هوتيلز – خاص
في عالمٍ أصبح فيه الإنسان يعيش بين واقعٍ مادي وآخر افتراضي، لم تعد تجربة النزيل في الفندق مقتصرة على الإقامة الملموسة فحسب، بل باتت تمتد إلى مساحة رقمية تعكس شخصيته وتفاعلاته وسلوكياته.
من هنا، وُلد مفهوم “النزيل الرقمي المزدوج” (Digital Twin Guest)، وهو فكرة تقوم على إنشاء نسخة رقمية موازية للنزيل تحاكي تصرفاته وتفضيلاته وتطوّر تجربته بشكل مستمر، ليعيش النزيل تجربة متكاملة تجمع بين العالمين — الواقعي والافتراضي.
لقد أصبحت الفنادق الذكية ترى النزلاء ككيانات رقمية قابلة للتخصيص، وتتعامل مع البيانات باعتبارها لغة جديدة للضيافة، لا تقل أهمية عن الابتسامة أو الخدمة الفاخرة.
بهذا، لم يعد السؤال: كيف نخدم النزيل في الفندق؟ بل أصبح: كيف نخدمه مرتين — في الواقع وفي العالم الرقمي؟
الضيافة في عصر التوأم الرقمي
التوأم الرقمي هو نموذج افتراضي حيّ لكائن أو نظام في العالم الواقعي، يتفاعل ويُحدَّث لحظة بلحظة.
وفي قطاع الضيافة، أصبح هذا المفهوم يُستخدم لتصميم تجارب مخصصة للنزلاء عبر تتبع أنماط سلوكهم وتحليل تفضيلاتهم.
فعندما يحجز النزيل غرفة في فندق ذكي، يتم إنشاء “توأم رقمي” له على النظام — يمثل نسخة رقمية دقيقة تتعلم من كل تفاعل يقوم به، سواء في الموقع الإلكتروني أو تطبيق الهاتف أو داخل الغرفة نفسها.
وبمرور الوقت، يصبح هذا التوأم قادرًا على توقّع ما يريده النزيل دون أن يطلبه، من نوع القهوة المفضلة إلى درجة حرارة الغرفة المريحة له، وحتى الموسيقى التي تناسب مزاجه عند الاستيقاظ.
إنها ضيافة تعرف ضيفها قبل أن يعرّف نفسه.
من تجربة الإقامة إلى التجربة الممتدة
الفنادق التي تتبنى مفهوم “النزيل الرقمي المزدوج” لا تفكر في الإقامة كفعلٍ مؤقت، بل كتجربةٍ متواصلة تمتد ما قبل الحجز وبعد المغادرة.
فعندما يدخل النزيل إلى الموقع الإلكتروني للفندق، تبدأ خوارزميات الذكاء الاصطناعي في تحليل تفاعلاته، وتخزّنها لتبني ملفًا رقميًا مخصصًا له.
وبعد الإقامة، تستمر العلاقة عبر التوصيات والعروض الموجهة التي تعتمد على تاريخه الفندقي وسلوكياته الرقمية السابقة.
بهذه الطريقة، تتحول الإقامة إلى رحلة مستمرة بين الواقع والبيانات، يعيشها النزيل عبر الشاشات والتطبيقات بنفس عمق التجربة الفعلية.
من النزيل إلى “الهوية الرقمية”
في الماضي، كان الفندق يعرف النزيل من رقم الغرفة فقط.
أما اليوم، فالنزيل يمتلك “هوية رقمية فندقية” تتجاوز حدود المكان والزمان.
هذه الهوية تجمع بيانات دقيقة تشمل نوع السفر، وتفضيلات الطعام، وأوقات النوم، وحتى الأنشطة المفضلة في المدينة.
كل هذه المعلومات تتجمع في قاعدة بيانات ضخمة تُحدَّث تلقائيًا لتصبح جزءًا من “التوأم الرقمي للنزيل”.
وهكذا، يصبح الفندق كأنه “يتذكر” النزيل حتى بعد سنوات، فيقدّم له تجربة مألوفة كأنها عودة إلى منزلٍ رقميٍ يعرفه جيدًا.
نزيل يستخدم نظارة واقع افتراضي لاستكشاف مرافق الفندق قبل الوصول

واجهة تطبيق فندقي تعرض بيانات النزيل الرقمية وتوصيات مخصصة له

غرفة ذكية تتفاعل تلقائيًا مع تفضيلات النزيل المخزنة في ملفه الرقمي

الفنادق السعودية.. ريادة التجربة المتصلة
في السعودية، يشهد قطاع الفنادق نقلة نوعية في مجال التحول الذكي للضيافة، حيث بدأت كبرى العلامات الفندقية في تطبيق أنظمة “التوأم الرقمي للنزيل” ضمن برامج التحليل السلوكي وتجربة المستخدم.
ففنادق “العنوان” و“فيرمونت الرياض” و“العلا هابيتات” تستخدم اليوم أنظمة تتعقب رحلة النزيل الرقمية من لحظة البحث إلى لحظة التقييم، لتقدّم تجربةً مخصصة لا تعتمد فقط على الإقامة، بل على فهم السياق الكامل لحياته الرقمية.
كما أطلقت وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي SDAIA مبادرة “Digital Guest Journey” التي تهدف إلى جعل تجربة الضيافة السعودية أكثر تكاملاً عبر جمع وتحليل البيانات بشكل آمن وفعّال.
بهذا، تتحول المملكة إلى مركز عالمي لتقنيات “الضيافة التوأمية” التي تمزج بين الكرم العربي والذكاء الاصطناعي الحديث.
الذكاء الاصطناعي كمضيفٍ خفي
يُعد الذكاء الاصطناعي العنصر الأكثر حسمًا في بناء النزيل الرقمي المزدوج.
فهو لا يكتفي بتسجيل البيانات، بل يحللها ويتعلم منها ليحوّلها إلى قرارات آنية.
على سبيل المثال، إذا لاحظ النظام أن النزيل يستخدم تطبيق الفندق ليطلب وجبات خفيفة بعد منتصف الليل، فإنه يقترح تلقائيًا خيار “Mini Snack Bar” عند زيارته التالية.
وإذا اختار النزيل غرفة بإضاءة خافتة في إقامته السابقة، يضبط النظام إعدادات الغرفة التالية تلقائيًا وفقًا لذلك.
بهذه الطريقة، يصبح الفندق “عقلًا رقميًا متعلّمًا” يطور نفسه مع كل نزيل جديد.
التفاعل بين العالمين الواقعي والرقمي
في الفنادق المستقبلية، لن يقتصر التوأم الرقمي على الخدمات الافتراضية فقط، بل سيمتد ليخلق تفاعلًا ملموسًا داخل البيئة الواقعية.
فعند دخول النزيل إلى الغرفة، قد تُعرض على الجدار شاشة تفاعلية ترحّب به باسمه وتعرض تذكيرًا بجدول أعماله اليومي.
وفي الصالة الرياضية، يتعرف النظام على بيانات جسده المخزنة مسبقًا، ليقترح له تمارين مناسبة بناءً على حالته الصحية.
حتى في المطاعم، يمكن للطاهي الاطلاع على سجل النزيل الغذائي لتخصيص الوجبة المثالية له.
إنها بيئة تتحد فيها الحواس والبيانات في تجربة ضيافة متكاملة تُدار بالذكاء والمعرفة.
التوازن بين الذكاء والخصوصية
رغم المزايا الهائلة لهذا النموذج، تظل مسألة الخصوصية تحديًا محوريًا.
فكلما زاد جمع البيانات، زادت احتمالية القلق لدى النزلاء بشأن كيفية استخدامها.
ولهذا، تتبنى الفنادق الحديثة مبدأ “الشفافية الرقمية”، الذي يمنح النزيل حق الاطلاع الكامل على بياناته، والتحكم في ما يريد مشاركته أو حذفه.
كما يتم تطبيق بروتوكولات تشفير متقدمة (Encrypted Digital ID) تضمن أن تظل الهوية الرقمية آمنة داخل حدود الفندق فقط.
في السعودية، تُراقب هيئة الذكاء الاصطناعي والبيانات هذه الأنظمة لضمان الالتزام بمعايير الحماية العالمية، بما يجعل الابتكار متوازنًا مع الأمان.
بين الإنسان والبيانات
يخشى البعض أن يحل الذكاء الاصطناعي محل العلاقات الإنسانية في الضيافة، لكن الواقع يشير إلى العكس.
فالنزيل الرقمي المزدوج لا يُلغِي التفاعل البشري، بل يعزّزه.
عندما يفهم النظام ما يحتاجه النزيل مسبقًا، يصبح الموظف قادرًا على التركيز على التفاصيل العاطفية — الترحيب، الحوار، والاهتمام الشخصي.
وهكذا، تتحول التقنية من بديلٍ للإنسان إلى شريكٍ في صنع التجربة.
من الضيافة إلى الذاكرة الرقمية
الفنادق التي تطبّق مفهوم التوأم الرقمي لا تكتفي بتقديم إقامة فاخرة، بل تخلق ذاكرة رقمية مستمرة للنزيل.
فعندما يعود بعد عام أو اثنين، يجد غرفته كما كانت، بنفس ترتيب الوسائد والموسيقى المفضلة، بل وحتى الرائحة التي ارتبطت بإقامته السابقة.
إنها ذاكرة رقمية للضيافة، تجعل الفندق مكانًا يعود إليه النزيل لأنه “يتذكره”.
السعودية.. نموذج الضيافة المتصلة عالميًا
تطمح المملكة ضمن رؤيتها 2030 إلى جعل قطاع الفنادق جزءًا من المنظومة الرقمية المتكاملة التي تربط السياحة، الترفيه، والنقل الذكي.
ويُتوقّع أن تُطلق فنادق “القدية” و“البحر الأحمر” أول نظام ضيافة متكامل يعتمد على التوأم الرقمي للنزلاء عام 2026، بحيث يتم التحكم في كل تفاصيل التجربة من خلال منصة مركزية موحدة تربط الفنادق والمطاعم والمطارات في نظام واحد.
بهذا، يصبح النزيل محور التجربة السياحية بالكامل، سواء في العالم الواقعي أو في نظيره الرقمي.
س: ما المقصود بالنزيل الرقمي المزدوج؟
ج: هو نسخة رقمية افتراضية للنزيل تُنشئها أنظمة الذكاء الاصطناعي لتخصيص التجربة بناءً على بياناته وتفضيلاته وسلوكه.
س: كيف تستخدم الفنادق هذه التقنية لتحسين الخدمة؟
ج: عبر تحليل البيانات وتوقّع الاحتياجات مسبقًا، لتقديم تجربة شخصية في كل زيارة دون تدخل يدوي.
س: هل تهدد هذه الأنظمة الخصوصية؟
ج: لا، إذ تُطبّق بروتوكولات حماية متقدمة وتتيح للنزيل التحكم الكامل في بياناته الشخصية.
س: ما دور السعودية في هذا المجال؟
ج: تتصدر المنطقة في تطوير تجربة النزيل الذكي عبر مشاريع البحر الأحمر والعلا ونيوم، التي تمثل مستقبل الضيافة المتصلة.
اقرأ أيضًا: تقنية “الوجه هو المفتاح”.. مستقبل الوصول الآمن للغرف الفندقية





