The blog

المتاحف حفظ التاريخ من الضياع.. أهميتها وأنواعها

إم إيه هوتيلز – خاص

تُعدُّ المتاحف حالة خاصة ليس لكونها أماكن لحفظ التحف والتماثيل والأعمال، بل إنَّها حالة التاريخ التي تتجسَّد من جديد كأنموذج نتعرَّض له. فالمتاحف وسيلة رائعة لتسويق التاريخ والتراث بطريقة لا تحتاج إلى الكثير من الجَهد، فراغبي الزيارة يأتون للمشاهدة والدراسة والتعلُّم والاطلاع، كلُّ بحسب هدفه.

تعتبر منظمة المتاحف العالمية ICOM- The International Council of Museums، المتاحف بأنواعها المختلفة المكان الأمين الذي يحفظ فيه تراث البشرية الحضاري والفني والصناعي والطبيعي والتاريخي على مر العصور التاريخية المختلفة، والتسامي بأساليب العرض والصيانة. ويمكن اعتبار مجال المتاحف علمًا مستقلاً بذاته، حيث يُعد علم المتاحف أو علم حفظ التراث Museology)‏)علم مستقل بذاته عن علم الآثار، ويعد واحدا من العلوم الحديثة التي ظهرت في العصر الحديث.

من أين جاءتنا فكرة إنشاء المتاحف؟

حين نسأل عن تاريخ إنشاء المتاحف، فكأنَّما نسأل عن تاريخ التاريخ، لكن الحقيقة هناك خلاف تاريخي حول متى كان أو متحف، لكن العلماء، ربما اتفقوا على تقسيم يغطِّي هذه الاختلافات، ويفي بغرض يتتبع المراحل الزمنية لأصل منشأ المتاحف:

  1. المرحلة الأولى: المتاحف في العصور القديمة

يشير الكثير من الباحثين إلى أن فكرة المتاحف قد بدأت مع المصريين القدماء، إذ وضعوا التماثيل أمام المعابد والصروح كنوع من التخليد للآلهة والأجداد. وقام الأمير رمسيس الثامن بترميم العديد من آثار أجداده وسجل هذه الأعمال في معبد الشمس، ما يعكس تقديرهم للتراث والحفاظ عليه.

  1. المرحلة الثانية: المتاحف في العصور الوسطى

نشأت المتاحف بشكلها البدائي في العصور الوسطى، حيث كانت الكنائس تلعب دورًا مهمًا في حفظ الآثار وقطع التراث، حتى اعتُبرت الكنيسة نفسها بمثابة المتحف في تلك الفترة لما احتوته من تحف وآثار.

  1. المرحلة الثالثة: المتاحف في العصور الإسلامية

مع الفتوحات الإسلامية، زادت المقتنيات والتحف في قصور الخلفاء، حيث جمع الأمويون والعباسيون والأندلسيون القطع الثمينة في قصورهم. وكان الخليفة العباسي الراضي يهتم بجمع التحف وتزيين داره، ليصبح جمع التحف والتاريخ جزءاً من الثقافة الإسلامية.

  1. المرحلة الرابعة: المتاحف في عصر النهضة

في عصر النهضة، حصلت ثورة في عالم المتاحف، حيث كان الهدف من المتاحف هو التعبير عن الخلود والجمال، وظهرت مجموعات خاصة وقاعات كبرى مثل “قاعة المريان” في اللوفر عام 1610، مع الاهتمام المتزايد بجمع التحف الثمينة وعرضها.

أهمية المتاحف

  • نافذة على الماضي

تعتبر المتاحف نافذة الحاضر على الماضي، حيث يمكن من خلالها استعراض الأحداث التاريخية وفهمها، فهي تعد أساسًا لنهضة الأمم وجسرًا يربط بين الأجيال المتعاقبة. بذلك، لا يقتصر دور المتحف على عرض الماضي فقط، بل يعكس الحضارة التي سادت في حقبة معينة.

  • مراكز ثقافية

المتاحف تعد مراكز علمية وثقافية وبحثية تساهم في نشر المعرفة، حيث تستقبل الزوار من مختلف الأعمار، كبارًا وصغارًا، وتتيح لهم استكشاف التراث بأسلوب مبسط وفي وقت قصير، مما يثري فهمهم وارتباطهم بالثقافة.

  • فهم حقيقة الحضارة

يهدف المتحف إلى تمكين الزائر من إدراك مكانته ومكانة بلاده من خلال الاطلاع على تاريخها وبيئتها المحلية، مما يعزز وعيه بتاريخ أمته ويعمق فهمه لحقيقة حضارتها.

  • الرفاهية

تعتبر المتاحف وسيلة ترفيهية حيث يمكن اللجوء إليها للتخفيف من ضغوط الحياة أو كجزء من الرحلات السياحية، مما يجعلها مصدرًا مهمًا للدخل القومي سواء على الصعيد الوطني أو من خلال استقبال السياح الأجانب.

  • على الجانب التربوي
  1. لمتاحف هي وثائق حية تصنعها الشعوب بأيديها عبر إبداعاتها لتوثيق منجزات التطور في مختلف جوانب الحياة، وما يرتبط بذلك من قيم تاريخية وثقافية وجمالية.
  2. يمكن للمتاحف أن تكون مصدرًا للإبداع لدى الشاب والنشء، وذلك عبر تربية متحفية تؤهل الأجيال وتعدّها للاطلاع على إرث حضاري يثري خيالهم ويعزز ارتباطهم بثقافتهم.
  3. لا حدود لأدوار المتاحف في تنمية التواصل الجماهيري، حيث يمكن أن تمتد رسالتها التربوية إلى الشوارع، محققة بعدًا جديدًا للتربية المقصودة خارج نطاق الجدران.
  4. تُعد المتاحف مصدرًا أساسيًا لتنمية الإبداع والجمال لدى الأطفال، مما يساعدهم على الحفاظ على الهوية الذاتية لثقافات الشعوب في المستقبل.
  5. تعتبر المتاحف من المتطلبات الضرورية لتوثيق مسيرة الشعوب، وهي تساهم في تحفيز النمو الجمالي لدى الزائرين، عبر اكتسابهم حبًا للتراث.
  6. تلعب المتاحف دورًا رئيسيًا في تحقيق التواصل بين الأجيال، خاصة من خلال إلهام الأطفال والنشء والشباب وتزويدهم برؤية شاملة لتراثهم الثقافي.

اليونيسكو تدرك ذلك

ويمكن للمتاحف أن تؤدي دوراً رائداً في تدعيم الاقتصاد الإبداعي على الصعيدين المحلي والإقليمي. ويزداد حضور المتاحف أكثر فأكثر في الحياة الاجتماعية بوصفها منابر للحوار والنقاش تجري فيها معالجة القضايا الاجتماعية المعقدة في إطار يشجع مشاركة عامة الجمهور.

وتدعم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” البلدان النامية عن طريق تسخير الإمكانيات التي توفرها المتاحف لتعزيز التماسك الاجتماعي، وذلك على صعيد المجتمعات المحلية والفئات المحرومة بوجه خاص.

أنواع المتاحف

يتم تصنيف المتاحف أحيانًا وفقًا لمصدر تمويلها، مثل الحكومية أو البلدية أو الخاصة، خاصة في الأعمال الإحصائية، لكن هذا التصنيف لا يعكس دائمًا طبيعة مجموعات المتحف. فالمتاحف الوطنية، على سبيل المثال، قد تحتوي على مجموعات دولية مرموقة، مثل المتحف البريطاني والأرميتاج واللوفر، أو مجموعات متخصصة كما في بعض المتاحف الأوروبية للآثار، أو قد تكون ذات طابع محلي مثل متحف حي أناكوستيا في واشنطن العاصمة. من ناحية أخرى، يتيح التحليل القائم على طبيعة المجموعات تمييزًا أفضل بين المتاحف العامة والمتخصصة، حيث يركز على جوهر المتاحف ومحتواها.

وبالتالي تُصنف المتاحف إلى عدد من الأنواع الأساسية: ما بين العامة، والتاريخ الطبيعي والعلوم الطبيعية، والعلوم والتكنولوجيا، والتاريخ، والفنون. ويضاف إليها المتحف الافتراضي الحديث الذي يتجاوز هذه التصنيفات بفضل عرضه الإلكتروني الفريد.

  1. المتاحف العامة

المتاحف العامة تحتفظ بمجموعات متنوعة تغطي مواضيع متعددة، وتعرف بكونها متاحف متعددة التخصصات، حيث تخدم منطقة محلية وتعكس تاريخها الطبيعي والبشري. تأسست العديد من هذه المتاحف بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لكنها تواجه تحديات كبيرة بسبب التكلفة العالية لصيانتها بسبب استخدامها المستمر وكثرة الزوار، وهو ما يتطلب منها موارد إضافية للحفاظ على دورها الاجتماعي. من أمثلتها متحف كانازاوا بونكو في يوكوهاما باليابان، ومتحف بروكلين للأطفال في نيويورك، الولايات المتحدة.

  1. متاحف التاريخ

تضم متاحف التاريخ مجموعات بهدف تقديم منظور زمني وتاريخي، مما يسهم في رفع الوعي الوطني وتوفير فهم أعمق للتاريخ والإثنوجرافيا. وتضم هذه الفئة متاحف الآثار والمتاحف الوطنية والمتاحف التذكارية. وقد تأسست العديد من متاحف التاريخ في عواصم دول تعرضت للاستعمار لتكون نافذة ثقافية للعالم. من أمثلتها متحف الإنسان في باريس، والمتحف الشمالي في ستوكهولم.

  1. متاحف التاريخ الطبيعي والعلوم الطبيعية

وتختلف عن متاحف التاريخ، حيث تركِّز متاحف التاريخ الطبيعي والعلوم الطبيعية على العالم الطبيعي، حيث تضم مجموعات متنوعة من الطيور والثدييات والحشرات والنباتات والصخور والمعادن والحفريات. يعود تاريخ هذه المتاحف إلى عصر النهضة والتنوير في أوروبا، لكنها شهدت ازدهارًا خلال القرن التاسع عشر مع تطور العلوم الطبيعية، وغالبًا ما تعمل كمراكز بحثية دولية تدير العديد من البرامج البحثية الكبيرة. من أبرز أمثلتها المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس، ومتحف التاريخ الطبيعي في لندن.

  1. متاحف العلوم والتكنولوجيا

تهتم متاحف العلوم والتكنولوجيا بتطوير وتطبيق الأفكار العلمية والتقنية، وتحتفظ بمجموعات من الأدلة المادية التي توثق هذه التطورات، مما يسهم في نشر المعرفة العلمية وتطوير التعليم. تقدم بعض هذه المتاحف عروضًا تفاعلية تمكّن الزوار من المشاركة في تجارب عملية. وقد تطورت هذه المتاحف منذ عصر التنوير، حيث بدأت بمجموعات خاصة أو تلك التي أنشأتها المجتمعات العلمية. من أمثلتها متحف الطيران والفضاء الوطني في واشنطن والمتحف الألماني في ميونخ.

  1. متاحف الفن

تستند مجموعات متاحف الفن إلى القيمة الجمالية، حيث تشمل لوحات فنية ومنحوتات وفنونًا زخرفية تحمل رسائل بصرية. تهتم هذه المتاحف بشكل خاص بعرض القطع الفنية مع الحفاظ على سلامتها من خلال التحكم في الإضاءة ودرجة الحرارة والرطوبة، وخاصة في المتاحف المفتوحة. من أشهر أمثلتها متحف اللوفر في باريس، ومتحف هيرشهورن في واشنطن، الولايات المتحدة.

  1. المتاحف الافتراضية

المتحف الافتراضي هو نوع حديث من المتاحف يعتمد كليًا على التكنولوجيا الرقمية والوسائط الإلكترونية لتقديم محتواه للجمهور عبر الإنترنت. يتيح هذا النوع من المتاحف للزوار التفاعل مع المعروضات واستكشافها من أي مكان وفي أي وقت، مما يخلق تجربة ثقافية مميزة تتجاوز قيود الزمان والمكان. يتميز المتحف الافتراضي بإمكانية عرض مجموعة متنوعة من المواد الثقافية والفنية والعلمية، باستخدام الوسائط المتعددة مثل الصور ثلاثية الأبعاد والفيديوهات التفاعلية والخرائط الرقمية. ويُعد المتحف الافتراضي وسيلة مثالية للوصول إلى جمهور عالمي، إذ يُسهم في نشر الثقافة والمعرفة بطريقة حديثة وجذابة، ويعزز من أهمية التكنولوجيا في توسيع نطاق التعليم والتثقيف المتحفي.

ختامًا، هكذا هي المتاحف حافظة التراث والتاريخ من الضياع، وواجهة تسويقية للثقافة، وإثبات للهُويَّة في عصر تتداخل فيه الثقافات وتختلط فيه الرؤى.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button