جائحة كوفيد-19 تفقد فنادق نيويورك ألقها
سمحت جائحة كوفيد 19 للأميركيين الاستفادة من الأزمة الاقتصادية التي ألمت بالقطاع السياحي وخاصة الفنادق، فباتت الفرصة سانحة أمامهم لتجربة أفخم الفنادق في نيويورك بعد عزوف السياح الأثرياء من السفر الى أميركا وإشغال أفخم فنادق نيويورك.
نيويورك : تفتقد فنادق نيويورك الفخمة الكبيرة نزلاءها المعتادين من أثرياء العالم، على اختلاف جنسياتهم، وبات عليها بسبب جائحة كوفيد-19 أن تكتفي بزبائن محليين، بعد طفرة استمرت سنوات.
حجز جون فاريل وزوجته غرفة فندقية في مقابل ألف دولار في اليوم عينه للزيارة، ونزلا ليلة واحدة في فندق بيار الفخم الذي يبعد ساعتين بالسيارة عن منزلهما. هذان الزوجان هما من بين أميركيين كثر اختاروا السياحة الداخلية وباتوا يشكّلون المصدر الرئيسي لنزلاء الفنادق الفارهة في نيويورك.
فقد ولّى على ما يبدو زمن توافد النجوم ومزيج لغات العالم التي تُسمع في الأرجاء وسيارات الأجرة الصفراء المصطفة بالعشرات أمام هذا الفندق الواقع قبالة حديقة سنترال بارك والمعروف بسهراته الباذخة وأجنحته الفاخرة التي استضافت مشاهير من أمثال إليزابيث تايلور، وفي فترة أحدث ليدي غاغا وبطلات فيلم “أوشنز 8”.
سكون تام في الفنادق
فبعد ستة أشهر من الإغلاق وتوقف السياحة ورحلات الأعمال، أعادت هذه التحفة المعمارية التي تسلمت إدارتها مجموعة “تاج” الهندية في 2005، فتح أبوابها في منتصف سبتمبر لكن أمجادها الغابرة تبدو بعيدة جدا.
ويقول جون فاريل (38 عاما) وهو مستثمر في قطاع الإنشاءات أتى من ضاحية نيويورك مع زوجته “الوضع هنا شبيه بما هو عليه في الطرق، أي لا حركة تُذكر ولا زحمة ناس”.
ففي مثل هذا الموسم عادة، تكون الفنادق ممتلئة بالرواد، رغم أن معدّل ثمن الليلة الفندقية في المدينة لا يقل عن 300 دولار.
ويوضح فرنسوا أوليفييه لويجي ندير هذا الفندق الذي يضم 189 غرفة و80 شقة تعود لأفراد أثرياء، أن موسم الذروة “ينطلق نهاية آب/أغسطس مع بطولة الولايات المتحدة المفتوحة في كرة المضرب، ثم مع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكل ما أمكن من المؤتمرات التي يمكن تخيلها، وسهرات حشد الأموال، وزيجات الخريف، ثم عيد الشكر والميلاد ورأس السنة… الموسم لا يتوقف”.
تفاؤل ظاهري
وإضافة إلى السياح الأجانب الذين كانوا يمثلون ما يقرب من ربع الزوار قبل جائحة كوفيد-19، بات مجيء السياح الأميركيين متعذرا بالكامل تقريبا: إذ ترغم نيويورك منذ يونيو أي زائر من الولايات التي يتخطى فيها معدل النتائج الإيجابية بفحوص كوفيد-19 نسبة 10 %، أي حوالى ثلاثين ولاية حاليا، على التزام حجر لمدة أربعة عشر يوما.
وبدل الرحلات السياحية من أوروبا أو كاليفورنيا، يبدو التركيز في المرحلة الراهنة على الزبائن الوافدين بالسيارة من الولايات الأميركية لتمضية إجازات قصيرة لا تتعدى 24 ساعة أو 48، خصوصا لرؤية الأقارب، وفق لويجي.
ورغم تدابير التباعد والتعقيم في كل مكان، لا تتعدى نسبة الإشغال في فندق بيار 25 %، فيما أكثر من نصف الموظفين البالغ عددهم 400 توقفوا عن العمل، بحسب لويجي الذي يؤكد مع ذلك أن هذا الفندق “موجود منذ 90 عاما وسيبقى كذلك بعد 90 عاما”.
غير أن هذا التفاؤل الظاهري ليس لسان حال مؤسسات كثيرة أخرى.
فعلى رغم مساعدات الحكومة الفدرالية، خصوصا من طريق قروض للشركات الصغيرة، أرغمت الجائحة حوالى مئتي فندق من أصل 700 في نيويورك على الإغلاق.
ويقول فيجاي دانداباني رئيس اتحاد فنادق نيويورك الذي يمثل حوالى 300 مؤسسة فندقية إن ما يقرب من 140 فندقا تواصل العمل بالاعتماد فقط على استقبال أفراد الطواقم العلاجية والأشخاص الأكثر عرضة للفيروس ممن لا يستطيعون حجر أنفسهم في المنزل، أو المشردين الذين أرغمت الجائحة مؤسسات الإيواء التي كانت تستقبلهم على الإغلاق.
أما الفنادق المحجوزة من زوار “فعليين” فلا تتعدى نسبة إشغالها 10 % في المعدل، بحسب دانداباني الذي يلفت إلى أن حوالي 25 ألف موظف في القطاع باتوا عاطلين عن العمل.
إقفال فنادق
ويقول دانداباني إنه فيما يمكن للفنادق في أوروبا “الإفادة من بعض الانتعاش في السياحة بين البلدان الأوروبية، لا نستطيع التعويل على شيء هنا”.
وأقفلت فنادق أبوابها نهائيا، على غرار فندق “هيلتون” في ساحة تايمز سكوير الشهيرة والذي كان يضم 478 غرفة.
ويبدو التدهور قويا في نيويورك التي شهدت في السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في الفنادق، خصوصا في مانهاتن وأيضا في الأحياء القريبة من بروكلين وكوينز.
فمع أعداد قياسية من السياح الذين تخطى عددهم 65 مليونا في 2018، كان الاستثمار في القطاع أمرا مغريا. وقد كانت للسلطات المحلية حصتها أيضا من هذه الطفرة إذ جنت في العام الماضي 3,1 مليارات دولار من الضرائب المتأتية من قطاع الفنادق، وفق دانداباني.
وتوضح المحللة المتخصصة في قطاع الفنادق في شركة “ديلويت” رامية مورالي أن عدد الغرف الفندقية المتاحة ازداد بصورة كبيرة خلال السنوات العشر الأخيرة لدرجة أن “سوق الفنادق في نيويورك كان قد بدأ في إظهار علامات تباطؤ” قبل الجائحة.
وهي تشير إلى أن نيويورك كانت “أول سوق تخضع لتدابير إغلاق كبيرة” كما أن السلطات المحلية “تعتمد موقفا متحفظا إزاء إعادة الفتح”، ما يجعل المدينة “سوقا مغلقة على المسافرين خلال فترة طويلة آتية”.
ويقول جون فاريل “ثمة حاجة إلى أناس مثلنا ليأتوا وينفقوا أموالهم، سيكون ذلك عنصرا مساعدا”.
ويعتزم هذا الرجل مع وزوجته القيام ببعض التسوق خلال زيارتهما القصيرة إلى نيويورك، وتناول عشاء على شرفة أحد المطاعم التي فتح أكثر من عشرة آلاف منها في المدينة أخيرا، و”التدخين في سنترال بارك” مع تعذر متابعة العروض المسرحية في برودواي.