الضيافة في الثقافة السعودية تتجاوز الطعام والشراب إلى التقدير والانتماء
منذ سنواتٍ خلت، بدت تغذي فضولها اللافت تجاه استكشاف التراث عبر ترحالها في مناطق البلاد، حتى بات شغفاً متجذراً فيها لتسرد بعدها قصص الثقافة السعودية بأسلوبها الخاص، ترى نهلة الحميد، مديرة قطاع الثقافة في مجموعة بوتيك للضيافة، المملوكة لـ “صندوق الاستثمارات العامة” “PIF” أن سردها لتلك القصص أتاح لها التعمق في الفنون والحرف اليدوية التقليدية، ما جعلها تدرك جمالية الثقافة السعودية وهوية البلاد.
لا تتجاهل نهلة في إطار حوار موسع لـ “العربية نت” التأثير الكبير للتحولات الاجتماعية والثقافية في الوقت الحاضر في سرد القصص، حسب قولها، إذ إن كل خطوة نحو الانفتاح والتحديث تعد ظرفاً ثقافياً وتاريخياً يحمل معه سياقا جديدا، يعكس واقع المجتمع السعودي، مما يضيف بُعدًا آخر لرحلتها التي بدأتها قبل نحو 15 سنة.
يتلخص عملها في “بوتيك” بتصميم منتجات تطويرية لـ”القصور التاريخية” مثل قصر طويق والقصر الأحمر في الرياض، وقصر الحمراء في جدة، التي تعكس غنى تراثنا وتاريخنا العريق، إذ ترتكز تلك المنتجات على فهم عميق للقيمة التي تحملها الثقافة في تشكيل الهوية الفردية والجماعية، فضلاً عن إعادة استحداث مفاهيم جديدة للضيافة تتجاوز الطعام والشراب إلى التقدير والانتماء بجانب الحفاظ على صلة وثيقة بالأبعاد الإنسانية والعاطفية.
سألتها “العربية نت”، ماذا يعني أن تكون مديرة لإدارة الثقافة؟ فقالت: تفرض مهام عملي تحمل مسؤولية كبيرة تجاه تعزيز وحماية التراث والثقافة في بلادي، فضلاً عن تطوير وتنفيذ استراتيجيات تدمج الثقافة في جميع جوانب الحياة اليومية والعمل، وبالتالي فإن مهمتي تتطلب فهمًا عميقًا للتراث الثقافي والاجتماعي للمجتمع، إضافة إلى القدرة على التواصل والتفاعل مع مختلف الأطراف المعنية لتحقيق أهداف ثقافية محددة.
تقول نهلة الحميد، إن شركة بوتيك ترغب خلق تجربة فريدة تتجاوز مجرد الإقامة الفندقية التقليدية، لتقدم لضيوفها ذكريات لا تُنسى وتجارب شخصية، إذ نركز في إطار عملنا على جملة قيم مثل تصميمات القصور التاريخية الداخلية لتعكس الثقافة والتراث المحلي، بجانب تقديم التجارب التفاعلية لروح المكان، فضلاً عن تطبيق ممارسات مستدامة عبر المواد الصديقة للبيئة داخل تلك القصور، بجانب دعم المجتمعات المحلية.
إلى نص الحوار:
• ما الدافع الذي جعلك تتخصصين في مجال الثقافة والتراث منذ وقت طويل؟
جزء منه فضول وجزء منه اكتساب، كسبت حب الثقافة والتراث من الثقافة العائلية للتاريخ من جانب والدتي، إذ لطالما كان الفضول الشخصي العميق تجاه التعلم واستكشاف تاريخ وحضارات أرضي جزءا من شخصيتي، وبعدئذ تحول الفضول إلى شغف والشغف أصبح هدفا أحاول عبره الحفاظ على قصص وتقاليد بلادنا لتعليمها الأجيال المقبلة.
• ما اللحظة الأقرب إلى قلبك خلال مشوارك الذي يمتد نحو 15 عاماً؟
لحظات إطلاق كل مشروع عملت عليه من البداية، ودراسة الثقافة والتراث والشراكة المجتمعية مثل إطلاق مجموعة بوتيك، كذلك المشاريع الريادية حتى إن كانت “أقل حجماً” إلا أن العمل عليها قريب لقلبي.
• ما العلاقة التي تربط نهلة بالخارج عن المألوف؟
أحب الإبداع بجميع مجالاته، فكيف إذا كان في مجال التراث، نحن نتحدث عن موروث ثري، فضلاً عن تحويله إلى واجهة للمملكة بهيئة منتجات تخدم العصر الحديث.
• كيف تقضي نهلة وقتها؟
بجانب دوري كرئيسة إدارة الثقافة في مجموعة بوتيك، أعمل أيضا رئيساً لمجلس إدارة الجمعية المهنية للحرفيين، فيتطلب عملي الاطلاع الدائم والتعرف على الجديد في مجالي، حتى المجالات ذات العلاقة، لكني أم، وزوجة، وابنة حريصة على إدارة وقتي كما يجب.
• ماذا يعني أن تكوني مديرة إدارة الثقافة؟
يعني تحمل مسؤولية كبيرة تجاه تعزيز وحماية التراث والثقافة داخل منظمة أو مجتمع، وكذلك العمل على تطوير وتنفيذ استراتيجيات ثقافية تهدف إلى دمج الثقافة في جميع جوانب الحياة اليومية والعمل. هذا الدور يتطلب فهمًا عميقًا للتراث الثقافي والاجتماعي للمجتمع، بالإضافة إلى القدرة على التواصل والتفاعل مع مختلف الأطراف المعنية.
• ما رؤية نهلة الحميد في ابتكار المنتجات الثقافية اللصيقة بالتجربة الإنسانية؟
نصنع في مجموعة بوتيك منتجات تعكس غنى تراثنا وتاريخنا العريق، على سبيل المثال في تراثنا غير المادي، نحن نملك عادات وبروتوكولات أصيلة تعكس حفاوة السعوديين، لذا نعكسها في تجربة الضيف كافة من استقباله وأثناء إقامته، وانتهاءً بتوديعه.
ترتكز هذه المنتجات على فهم عميق للقيمة الثقافية في تشكيل الهوية الفردية والجماعية وتأثيرها على الحياة اليومية للأفراد، من خلال هذه الرؤية، نسعى إلى إنشاء منتجات وخدمات تعكس التراث الثقافي وتحتفي به، مع الحفاظ على صلة وثيقة بالأبعاد الإنسانية والعاطفية.
• اليوم أثناء عملك في مجموعة بوتيك، ما الروافد التي تستلهمين منها أفكارك؟
في سياق عملي ضمن مجموعة بوتيك، أستلهم أفكاري لتصميم مبادرات تدمج عناصر التراث والثقافة، بما يتناسب مع رؤية شاملة لابتكار منتجات وتجارب ثقافية تلامس جوهر التجربة الإنسانية، فيما استلهمها أيضاً من التراث الثقافي والتاريخي للمنطقة مثل استكشاف القصص، والتقاليد الشعبية التي تعكس الهوية الثقافية للمنطقة، مما يوفر أساسًا غنيًا لابتكار تجارب غامرة تتيح للزوار الاستمتاع بجوهر التراث المحلي.
فضلاً عن الفنون والحرف المحلية مثل لانغماس في الفنون والحرف اليدوية المحلية، بما يوفر إلهامًا لتصميم منتجات وخدمات تعكس المهارة الفنية والإبداعية للمجتمعات المحلية في المملكة، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وحماية التراث الثقافي.
أيضاً أحب الطبيعة وبيئة المنطقة، إذ تجعلني أستلهم الجمال الطبيعي والتنوع البيئي للمنطقة الذي يثري المبادرات الثقافية بعناصر تصميمية فريدة تعزز تقدير الزوار للبيئة المحلية، فضلاً عن الممارسات الاجتماعية اليومية كالغوص بنمط الحياة اليومي والممارسات الاجتماعية للسكان المحليين، إذ توفر فهماً عميقاً للقيم والعادات.
طبعاً، أحب التعاون مع الخبراء والمؤسسات الثقافية في المملكة، بالإضافة إلى المؤسسات الثقافية والتعليمية، التي تعزز قيمة وعمق المبادرات الثقافية، ناهيك عن الاستجابة لاهتمامات وتوقعات الزوار، كالاطلاع على التجارب العالمية والمحلية في توقعاتهم، إذ توفر بيانات قيّمة لتطوير منتجات وتجارب تلبي احتياجاتهم وتفوق توقعاتهم.
وبالتأكيد، حينما نجمع هذه الروافد، يمكن تصميم مبادرات هادفة تدمج عناصر التراث والثقافة بطرق تحترم الأصالة السعودية، وتعزز التجربة الإنسانية لخلق تجارب ضيافة ذات معنى تمثل عادات وتقاليد المملكة.
• أيضا، كيف تعيدين التعريف لمفهوم الضيافة بمنظور سعودي؟
إعادة تعريف مفهوم الضيافة بمنظور سعودي يتطلب النظر في الجذور التقليدية للضيافة في المملكة ودمجها مع القيم العصرية والتوجهات الجديدة التي تشهدها البلاد، فالضيافة في الثقافة السعودية ليست مجرد تقديم الطعام والشراب للضيف، بل تعبير عن الكرم والتقدير والاحترام العميق للآخرين، ونحن نعيد تعريف الضيافة ببوتيك عبر التركيز على تجربة الضيافة الشاملة بتوفير تجربة شاملة للضيف تتجاوز الجوانب المادية لتشمل الشعور بالانتماء والترحيب، بالتأكيد لا يحدث ذلك إلا عبر إظهار الاهتمام الحقيقي براحة الضيف وتلبية احتياجاته بطريقة تجعله يشعر بأنه جزء من المكان.
وفضلاً عن الاحتفاء بالثقافة السعودية كتقديم العناصر الثقافية السعودية بصفتها جزءا من تجربة الضيافة، مثل تقديم الأطباق التقليدية، وتزيين المكان بالحرف اليدوية المحلية، بجانب تقديم القهوة السعودية والتمر بالطريقة التقليدية، مما يعكس غنى وتنوع الثقافة السعودية.
ناهيك عن الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، التي من شأنها دمج مفاهيم الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية في ممارسات الضيافة ما يعكس الوعي والالتزام بالمحافظة على الموارد ودعم المجتمعات المحلية، وبالتالي يتحقق ذلك عبر استخدام المنتجات المحلية، وتقليل الهدر، ودعم المشاريع الاجتماعية.
• حدثيني عن رحلتك مع سرد قصص الثقافة السعودية خاصة أنك تتمتعين بتجربة لافتة؟
بدأت رحلتي مع سرد قصص الثقافة السعودية منذ سنوات عدة، مدفوعةً بشغفي العميق لاستكشاف جذوري وتراثي. كانت هذه الرحلة مزيجًا من الاستكشاف الشخصي والمهني، إذ كنت أتنقل بين مناطق المملكة المتنوعة، مستلهمةً من التقاليد الغنية والحكايات الشعبية التي تنفرد بها كل منطقة.
أحد الجوانب المميزة لهذه التجربة التعمق في فهم الفنون والحرف اليدوية التقليدية، إذ تعكس الجمالية الخاصة بالثقافة السعودية وتعبر عن هويتها العريقة. من معاني نقوش السدو والمنسوجات اليدوية إلى فنون العمارة مثل الجص والقط وغيرها، كل هذه الأشكال الفنية تروي قصصًا عن تاريخ الأرض وشعبها.
كما كان للقاءاتي مع الحرفيين والفنانين السعوديين دورٌ بالغ في تعميق فهمي لهذه الثقافة. فمن خلال سرد قصصهم وتجاربهم، اكتشفت العديد من الجوانب الفريدة للثقافة السعودية التي لا تُعرف على نطاق واسع.
لا يمكنني تجاهل التأثير الكبير للتحولات الاجتماعية والثقافية الجارية في المملكة على سرد القصص. مع كل خطوة نحو الانفتاح والتحديث، تبرز قصص جديدة تعكس الواقع المتغير للمجتمع السعودي، مما يضيف بُعدًا آخر لرحلتي في توثيق هذه الثقافة الغنية.
بالتأكيد، تعتبر هذه الرحلة مستمرة خصوصاً مع عملي في مجموعة بوتيك؛ فكل يوم يحمل معه اكتشافات جديدة وفرصًا للتعلم والنمو.
• فرصة العمل في قطاع الثقافة، أتاحت لك معايشة التحول الثقافي والحراك اللافت الذي يشهده القطاع، برأيك ما الذي يجعل مشروعات الثقافة السعودية لافتة ومميزة عن باقي النماذج الدولية؟
العمل في قطاع الثقافة السعودي خلال هذه الفترة التحولية المثيرة فرصة استثنائية لمعايشة ومشاهدة التطورات الثقافية، فالحراك الثقافي اللافت الذي نشهده يعود إلى عدة عوامل تجعل مشروعات الثقافة السعودية لافتة ومميزة عن باقي النماذج الدولية، منها التركيز العميق على الهوية والتراث، الدعم الحكومي غير المسبوق للقطاع الثقافي، فضلاً عن تنوع البلاد الثقافي والجغرافي.
• برأيك، كيف للثقافة أن تكون رافداً ذا أولوية لافتة في الاقتصاد الوطني؟
بالتركيز على عدة استراتيجيات تسلط الضوء على أهمية الثقافة كمحرك أساسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، كتنمية الصناعات الثقافية والإبداعية وتعزيز الاستثمار في الصناعات الثقافية والإبداعية، مثل الفنون البصرية والأدائية، الأدب، الحرف اليدوية، وغيرها، ستولد فرص عمل جديدة وتدعم النمو الاقتصادي. الصناعات الإبداعية تعتبر مصدراً مهماً للتصدير وجذب الاستثمارات الأجنبية.
بجانب تعزيزها للسياحة الثقافية وتطوير المواقع التاريخية والثقافية وترويجها كوجهات سياحية تنشط الاقتصاد المحلي. السياحة الثقافية لا تجذب الزوار فحسب، بل تعزز أيضًا الفخر الوطني وتحافظ على التراث، فضلاً عن التركيز على التعليم والتدريب الثقافي، بجانب إنشاء الجمعيات الثقافية، وتعزيز السياسات الداعمة للثقافة عبر السياسات والتشريعات التي تدعم الثقافة وتحمي حقوق الملكية الفكرية.
• بالحديث عن بوتيك.. حدثونا عن إعادة تقديم التراث بروح عصرية بما يسهم في تنمية الاقتصاد المحلي؟
إعادة تقديم التراث بروح عصرية تعتبر استراتيجية متميزة لتعزيز الاقتصاد المحلي، بخلق تجارب ضيافة فريدة تجمع بين الأصالة التراثية والرفاهية العصرية. هذا النهج ينمي الاقتصاد المحلي عبر جذب السياحة الدولية والمحلية، إذ تصبح فنادقنا وجهات مرغوبة للسياح الباحثين عن تجارب ثقافية أصيلة.
وتعزيز الصناعات الحرفية والأعمال الفنية المحلية بدمج الحرف والمنتجات التراثية في تصميم الفنادق، ما يعني تعزيز الصناعات الحرفية المحلية وتوفير سوق للحرفيين والفنانين المحليين، فضلاً عن الترويج للثقافة المحلية فنادقنا تجمع بين التراث والعصرية، إذ نعمل كسفراء للثقافة المحلية.
• ماذا يعني أن تتاح لك الفرصة في تطوير القصور التاريخية والثقافية في السعودية؟
فرصة تطوير القصور التاريخية والثقافية في السعودية يعني أن تكون جزءًا من عملية استثنائية تحافظ على التراث، وتعيد تفسيره للأجيال الجديدة. هذه الفرصة تحمل معها مسؤولية كبيرة وفرصة فريدة لإثراء الهوية الثقافية والتاريخية، للحفاظ على التراث ما يضمن أن تظل هذه الكنوز الثقافية شاهدة على التاريخ.
فضلاً عن إحياء الثقافة عبر إعادة تقديم القصور التاريخية والثقافية بطرق مبتكرة، بجانب تعزيز السياحة كالتطوير الفعّال للقصور التاريخية الأمر الذي يعزز السياحة الثقافية في السعودية، فضلاً عن الابتكار في التراث كتطوير هذه القصور لتوفير فرصة دمج التقنيات الحديثة والمفاهيم الابتكارية في تقديم التراث.
• ما التجربة التي ترغب أن تحدثها بوتيك في عالم الضيافة؟
خلق تجربة فريدة تتجاوز مجرد الإقامة الفندقية التقليدية، لتقدم لضيوفها ذكريات لا تُنسى وتجارب شخصية متميزة. تشمل التفرد والأصالة، إذ نركز على تقديم تجربة فريدة لكل ضيف، من خلال تصميمات داخلية مميزة ومتفردة تعكس الثقافة والتراث المحلي، بالإضافة إلى تقديم خدمات مخصصة تلبي احتياجاتهم.
بجانب تقديم التجربة الثقافية الغنية عبر تعريف الضيوف على الثقافة المحلية من خلال الفن، والتجارب التفاعلية التي تعكس الروح الأصيلة للمكان، مما يتيح للضيوف فهمًا عميقًا وتقديرًا للمنطقة التي يزورونها، فضلاً عن الاهتمام بالتفاصيل.
ناهيك طبعاً عن توفير الخصوصية للضيوف عبر عدد محدود من الغرف والأماكن الخاصة التي تسمح بالاستجمام والراحة بعيدًا عن صخب الحياة اليومية، بجانب إتاحة التكنولوجيا المتكاملة لتعزيز تجربة الضيف، وفي المقابل الطعام أيضاً نرغب تقديم تجارب طعام فريدة تركز على المكونات المحلية والأطباق التقليدية بلمسات عصرية، مما يسمح للضيوف باكتشاف نكهات وأطباق جديدة تعبر عن الثقافة المحلية.
في النهاية، ترغب فنادق البوتيك في خلق تجربة تبقى في ذاكرة الضيوف لسنوات، من خلال توفير إقامة تتسم بالتفرد، الفخامة، الاهتمام بالتفاصيل، والغنى الثقافي.